د. أحمد بربور يثير مصالح قابلية الاستعمار.. و الإستبداد .. والأستعباد

الدكتور أحمد عصمت بربور

 

لقد قمت بمحاولة معرفة مدى اهتمام العرب بمفهوم “القابلية للاستعمار”, الذي اطلقه لاول مرة الكاتب والمفكر الجزائري مالك بن نبي في عام 1948 في كتابه شروط النهضة, بواسطة البحث في الشبكة الاليكترونية عن هذا الموضوع, فحصلت على مايلي:

—————————————————————————————–   

النتائج من 1 إلى 10 من حوالي 72,100 عن القابلية للاستعمار”. ( الوقت المستغرق 0.38

——————————————————————————————

ونظرا لهذا الكم الهائل من المقالات والابحاث التي كتبت حول هذا الموضوع, فلقد اخترت ان اقوم بتلخيص نعض الافكار المعروضه في خمس مقالات في هذا الجزء, على ان اقوم بعرض خمس اخرى في الجزء الثاني, وذالك للاطلاع على بعض الافكار والملاحظات, من كتاب من مختلفي الاتجاهات, ومن جميع انحاء العالم العربي, لعلها تلقي الضوء على هذا المفهوم, وعلى طريقة التفكير المنهجية (العربية والاسلامية) في معا لجة مثل هذا الموضوع.

 

أولا: تعرف ويكيبيديا, الموسوعة الحرة والصادرة باللغة العربية, القابلية للاستعمار بما يلي (1):

“فالمحتل الذي يحتل أرضا ويسيطر على ترابها فأنه مع مرور الزمن يبقى غازيا ومحتل لفرد غير قابل للاستعمار، ويكون مستعمرا لفرد قابل للاستعمار، والقابلية تعتمد على مفاهيم الاستعمار, الحضارة، الفرد والمجتمع.” 

والمعنى المباشر للقابلية هو: “الزجاج مثالا قابل للكسر ولكن صناعيا أمكن تصنيع زجاج غير قابل للكسر بتغيير المواد الأساسية بطرق صناعية, والمجتمع قابل للاستعمار لأن لديه القابلية ، والاحتلال تأكيد للقابلية وعدمها، كما هو كسر الزجاج تأكيد للقابلية وعدمها ،المثال عليها هو الجزائر مع المحتل الفرنسي والهند مع المحتل الإنجليزي، الجزائر تخسر مليون ونصف المليون شهيد في حرب استقلالها، وتخضع الهند ويستغل المحتل ثرواتها لفترة طويلة من الزمن قبل أن تنال استقلالها.”

———————————————————————————————–

 

ثانيا: يقول عبد الله بن ناصر الصبيح في مقالة بعنوان القابليّة للاستعمار ونهاية الأمّة, (2)  ان:

“ابن خلدون ومالك بن نبي -رحمهما الله- علمان بارزان في فكرنا الإسلامي ولكن يبدو أنهما جاءا في غير وقتهما فلم تستفد منهما الأمة. وكلاهما درس الوضع الاجتماعي للأمة، وحاول تشخيصه، واستخلاص السنن والقواعد الحاكمة للسلوك البشري الاجتماعي. ابن خلدون جاء في زمن ضعف فيه الفكر الإسلامي، وانتشرت فيه بعض التيارات التي تنصر الخرافة تحت اسم الكرامات، وخوارق العادات، وتعطل الأسباب، فلم يكن لرؤيته المبدعة التي تدرس السلوك الاجتماعي دراسة موضوعية نصيب من النظر والدراسة والتطوير. ولهذا أهملت مقدمة ابن خلدون التي أسس بها لعلم الاجتماع إلى أن اكتشفته أوروبا.   و مالك بن نبي كان حظّه من عناية أبناء عصره به أفضل من نصيب ابن خلدون في وقته إلا أن ما ناله من الدراسة أقل مما يستحقه. ولعل سبب ذلك بعض الظروف السياسية، وربما خلافه مع سيد قطب في مفهوم الحضارة – ولعل ذلك جعل كثيرين من أبناء الصحوة في المشرق يزهدون فيه إلى وقت قريب”.


ويسوي الكاتب بين مفهوم تقليد المغلوب للغالب عند ابن خلدون ومفهوم القابلية للاستعمار عند مالك .  ويعرف الكاتب القابلية للاستعمار, حسب قوله – كما يراها ابن نبي بانها: “حالة خاصة تصيب بعض الشعوب فتستخذي للهزيمة، وتقبل الاستسلام للخصم، والوقوع تحت سلطته، وهي تصيب بعض الشعوب حتى ولو لم تكن استعمرت قط.   

 

ويقول الكاتب ان سبب ظهور هذا المفهوم:  “القابليّة للاستعمار هي أسوأ ما يمكن أن ينتج بسبب الصراع بين الأمم والحضارات، ذلك أن الشعب القابل للاستعمار يعيد تعريف حضارته وأدبه وتاريخه وثقافته وفق رؤية المستعمر؛ فيستقبح من ذلك ما يستقبحه المستعمر ويستحسن منه ما يستحسنه المستعمر. وخلال هذه العملية يتخلّص من مظاهر القوة في ثقافته ومن كل مايميّزه عن مستعمره. “


ويتابع الكاتب تعريفه وتوضيحه للمفهوم بمجموعة من الاسئلة والاجوبة, كما يلي:  “ولكن ما القابلية للاستعمار؟ يجيبنا مالك بن نبي بأنها هزيمة داخليّة.   ولكن ماذا يعني ذلك؟  إنها تعني أن طائفة من الناس تشعر أن مصالحها مرهونة بوجود المستعمر وتأييده، فهي إذن ترضى أن تسير في ركابه وتعيش في كنفه، وتدافع عنه وتحسّن ما يستحسنه، وتقبح ما يستقبحه؛ لتستمتع بالبقاء تحت سيادته.  

 

والذي يقوي وحود هذه الظاهرة, حسب راي الكاتب, ان:   “المستعمر يبحث عن هذه الفئة من الناس التي لديها القابلية للاستعمار و تعيش هزيمة داخلية؛ لأنهم رسله الذين يوطئون الوطن لمقدمه، ويمهّدون البلاد له، ويدافعون عن سياسته في حرب الأمة. ولأنهم حِرابه التي يطعن بها في خاصرة الأمة، فيتّهمون قيمها بالتخلف، ومناهجها التعليميّة مثلاً بصناعة الإرهاب.  

 

وكذالك فان المستعمر هو الذي يصنع هذه الظاهرة, كما يقول الكاتب: “والمستعمر إذا لم يجدهم سعى لإنشاء ظاهرة القابلية للاستعمار عند من يريد استعماره، مستخدماً عدداً من الوسائل الإعلاميّة والسياسيّة والعسكريّة؛ فالقوة المفرطة والاعتداء على كرامة الشعب، والسخرية من ثقافته وهويته وخياراته القصد منها كسر إرادة الشعب، وتحطيم خيار المقاومة عنده، وهزيمته النفسيّة.

————————————————————————————————–

 

ثالثا: يقول الشيخ غازي التوبة في مقالته القابلية للإستعمار عند مالك بن نيي, نظرة فاحصة, (3):
“مرّت مائة سنة على ولادة مالك بن نبي وجرى الحديث المتعدّد عن بعض أفكاره، وأبرز الأفكار التي تناولها الحديث فكرة “القابلية للاستعمار”، مع أنّ أفكاراً أخرى أجدر بالحديث والإشادة والصوابية من مثل: ربطه مشاكل الأمّة بالأمور الحضارية، وحديثه عن أساليب الاستعمار إلخ…، وفي رأيي أنّ فكرة “القابلية للاستعمار” أضعف أفكاره، وأقلّها صواباً.  وبخاصة عندما ارتبطت هذه الفكرة بأمر آخر هو كلامه عن بلوغ عوامل التعارض الداخلية قمّتها في نهاية عهد دولة الموحّدين، ولم يعد الإنسان والتراب والوقت عوامل حضارة ، بل أضحت عناصر خامدة ليس بينها صلة مبدعة، وربط مالك بن نبي بين الانحطاط وبين القابلية للاستعمار فاعتبر أنّ هذه القابلية للاستعمار عامل باطني يستجيب للعامل الخارجي، وأبرز مظاهر هذا العامل الباطني: البطالة، وانحطاط الأخلاق الذي يؤدّي إلى شيوع الرذيلة، وتفرّق المجتمع الذي يؤدّي إلى الفشل من الناحية الأدبية. “

 

ويتسائل الكاتب: ” فهل صحيح أنّ الأمّة وقعت في الانحطاط الذي أدّى إلى موات المجتمع من ناحيتي العقل والترابط؟ فهل توقّف العقل العربي عن الإبداع والفاعلية والحركة منذ عهد الموحّدين؟ وهل تفكّك المجتمع وتشرذمت الأمّة وزالت عوامل الوحدة وانتهى الناس إلى روابطهم الفردية؟  ليس من بأنّ هذا التصوّر غير صحيح مع الإقرار بوجود أمراض متعدّدة، أثّرت على أوضاع الأمّة ومسيرتها منذ عهد الموحّدين، وأضعفت حيويتها، وقلّلت فاعليّتها.”

ويجيب الكاتب على هذه التسائلات بقوله: ” أمّا عن الشقّ الأول من التوصيف وهو الزعم بأنّ العقل العربي توقّف عن النشاط والإبداع فأبرز ما يدحضه توصُّل الدكتور جورج صليبا في كتاب جديد له صدر بتاريخ عام 1999 تحت عنوان “الفكر العلمي: نشأته وتطوّره” إلى نتائج مخالفة لما طرحه مالك بن نبي، لأنه اتبع منهجية جديدة في دراسة العلوم العربية، قامت هذه المنهجية على رصد التطورات العلمية للعلوم العربية وعلى عدم الانطلاق من نظريات مسبقة، وطبق ذلك على علم الفلك فتوصّل إلى أنّ العصر الذهبي لعلم الفلك العربي هو العصر الذي يطلقون عليه عصر الانحطاط بالنسبة للعلوم العربية بشكل عام، وأشار في هذا الصدد إلى نظريات ابتدعها نصير الدين الطوسي في كتابيه “تحرير المجسطي” الذي ألفه عام 1247م، و “التذكرة في الهيئة” الذي ألفه بعد الكتاب السابق بنحو ثلاث عشرة سنة، وقد أفرد الطوسي فصلاً كاملاً للرد على علم الفلك اليوناني ولإقامة هيئته البديلة، وفي أثناء هذا العرض استخدم الطوسي مرة ثانية النظرية الجديدة التي كان قد اقترحها بشكل مبدئي في كتاب “تحرير المجسطي”، وإذا بهذه النظرية تظهر هي الأخرى بعد حوالي ثلاثة قرون في أعمال كوبرنيك بالذات وبالشكل الذي ظهرت فيه في “تذكرة” الطوسي.”

ويتابع الكاتب نقده لفكرة مالك بقوله: ” أمّا في المجال الاجتماعي فإنّ عوامل الوحدة في الأمّة أقوى بكثير من عوامل التفكّك، وهي مازالت فاعلة مؤثّرة، ويمكن أن نشير في هذا المجال إلى عامل الوحدة الثقافية الذي استند إلى اللغة العربية وإلى الدين الإسلامي الذي وحّد التصوّرات إلى عالم الغيب والشهادة، ووحّد القِيَم الخُلُقية المرتبطة بالحلال والحرام الشرعيين، ووحّد العادات والتقاليد التي تستمد جانباً كبيراً من مفرداتها من السنّة المشرّفة، ووحّد المشاعر المرتبطة بالآلام والآمال التي تتجلّى عند الكوارث والمصائب والاعتداءات كما حدث في غزوات الصليبيّين والمغول والاستعمار، والذي أدّى أن يساعد العرب بعضهم بعضاً في كثير من المواقع والأماكن.”

 

ويستنتج الكاتب من ذالك التحليل: ” إنّ قول مالك بن نبي بانحطاط الأمّة منذ عهد الموحّدين هو الذي أدّى إلى القول ب “القابلية للاستعمار”، وقد اعتبر مالك بن نبي استعمار بلادنا قدراً محتوماً “وضرورة تاريخية”، وهذا كلام غير صحيح بدليل أن فرنسا التي استعمرت الجزائر عام 1830م لم تستطع أن تستعمر مصر عندما غزاها نابليون عام 1798م، وليس معنى ذلك أن الجزائر كانت ذات قابلية للاستعمار في حين أن مصر لم تكن ذات قابلية للاستعمار، فإن النسيج الثقافي واحد في كلا البلدين، لكننا يمكن أن نفسّر نجاحه في الجزائر وفشله في مصر بعوامل خارجية سياسية واقتصادية ساعدت على نجاح الاستعمار في الجزائر ولم تساعده في مصر، من مثل انشغال الخلافة العثمانية بحرب البلقان حين احتلال فرنسا للجزائر، ومن مثل تردي الوضع الاقتصادي لدى الخلافة مما جعله ينعكس على الإنفاق العسكري بشكل خاص ومستوى العمل العسكري بشكل عام، مقابل تحسّن الوضع الاقتصادي لدى أوروبا مما ساعدها على زيادة الإنفاق العسكري، ومن مثل كون الجزائر مقابل الحدود الجنوبية لفرنسا إلخ…، ومما يؤكد ذلك أن المعلومات التاريخية تقول إن الجزائر كانت أقل أمية من فرنسا عندما احتلتها عام 1830م، وتقول كذلك إن ثلث أبنية مدينة الجزائر كانت أوقافاً مما يعطي قوة ورخاءً للوضع الاجتماعي الداخلي لم تكن تتمتع به باريس ذاتها.”

 

ويتحدث الكاتب عن دور الاستعمار في ايجاد هذه الظاهرة بقوله: ” تحدّث مالك بن نبي عن “القابلية للاستعمار” باعتبارها عاملاً داخلياً وبيّن أن الاستعمار يريد منا البطالة، والجهل والانحطاط في الأخلاق، والتفرق والوساخة، وأن باطننا يستجيب لكل تلك الطلبات لأننا نملك “القابلية للاستعمار”، هذا ما قاله مالك بن نبي في منتصف القرن العشرين، لكن مالك بن نبي لم يسأل نفسه: ما دور الاستعمار الفرنسي في وجود هذه الظواهر التي رصدها وبخاصة أن كلامه عن “القابلية للاستعمار” جاء بعد الاحتلال الفرنسي للجزائر بأكثر من مائة سنة؟ الحقيقة أننا لا نجد أية إشارة إلى دور الاستعمار الفرنسي في تطوير مثل هذه الأمراض وتعميقها، مع أن الدراسة الفاحصة لمخططات الاستعمار الفرنسي تبيّن أنه حاول اقتلاع الشعب الجزائري اقتلاعاً كاملاً من جذوره الحضارية، وعمل على تدمير شخصيته العربية والإسلامية، واجتهد في تغيير هويته التاريخية، وفرض عليه التغريب بشكل قسري وكامل ، واعتبر الجزائر فرنسا ما وراء البحار، وجاء بالمستوطنين الذين أعطاهم أخصب الأراضي ، وفرض اللغة الفرنسية ، مما جعل مالك بن نبي وهو العربي المسلم لا يعرف الكتابة بلغته العربية ، لذلك ألّف كتبه الأولى باللغة الفرنسية ، ولم يستطع الكتابة باللغة العربية إلا في مرحلة متأخرة من حياته بعد أن جاء إلى المشرق العربي وأتقن اللغة العربية فيها.”

 

ويستنتج الكاتب بان: ” الخلاصة إنّ مفهومي “عصر الانحطاط” و”القابلية للاستعمار” يحتاجان إلى بحث معمّق جديد كما اقترح الدكتور صليبا سنصل إلى نتائج جديدة مخالفة أكثر صواباً مما طرحه مالك بن نبي”.

—————————————————————————————————

 

رابعا: يقول الكاتب د. خالص جلبي في مقالة له عن القابلية للاستعمار (4):  

“أول مرة سمعت بهذه الفكرة كانت من المفكر الجزائري مالك بن نبي، وكنا يومها نسمع له في مدرج جامعة دمشق وهو يتكلم عن مائدة مستديرة عقدت في فرنسا لفهم أبعاد كارثة 67م في حرب الخامس من حزيران (يونيو)، فصعقنا وأدركنا أننا مثل فئران التجارب بدون علم منها.  قال بن نبي يومها إن أزمة الخامس من حزيران لم تكن هزيمة عسكرية، بل أزمة حضارة دلفت إلى ليل التاريخ. “

ويقول: “وكتبه التي زادت عن عشرين باللغة العربية، لم توقظ من العرب عشرين شخصا؟ ولم تزد عن همسة في أذن نائم يشخر؛ فالعرب يريدون كلاماً لا يوقظ نائماً ولا يزعج مستيقظاً.”

ويشخص الدكتور جلبي هذه الظاهره بقوله:  هذا المرض هو (القابلية للاستعمار) الذي هو انهيار الجهاز المناعي والاستعداد الخفي للمرض.  وهو مرض ثقافي أصاب العالم الإسلامي برمته، أكثر منه سياسياً.
وحين لم تستعمر اليمن فمرد ذلك للصدفة.. وسورية التي تحررت يدين ذلك لظروف خارجية أكثر منها قوة داخلية، وهي ولادة إسرائيل. فوجب أن يخرج الفرنسيون من هناك؟  أما التحرر الفعلي فلم يأت بعد.”

ويجيب الكاتب عن اسباب عدم حدوث التحرر الفعلي بقوله:  “وأكبر دليل على ذلك هو العجز المتواصل المتراكم عن حل أبسط القضايا فضلا عن أعقدها.  وحسب غاندي ليس المهم من يستعمر، فقد يكون بريطانيا وقد يكون هندوسيا، ولكن التخلص من القابلية للاستعمار وقوة الجهاز المناعي الداخلي عن أي مرض. وحاليا عندنا ألوان من الاستبداد الداخلي في مناطق شتى تحكي قصة الضعف الداخلي، ويجب رؤية وجود إسرائيل في هذا المنظور. فهي خراج في جسد عليل؟”

ويبين الكاتب ان عملية التحرر هي: ” … عملية انفصال عن رحم الآباء كما ينفصل الجنين عن مشيمة الأم، وهو نازف ومؤلم، وهو أمر لم يحصل بعد.  ويمكن تشبيه الاحتلال الخارجي والاستبداد الداخلي مثل الالتهاب والسرطان فالأول واضح ومؤلم ومعالجته سهلة، والسرطان خفي غير مؤلم ومعقد المعالجة إلى درجة الاستحالة، وهذا يعني أن مرض العرب خطير جدا..”

ويستنتج الكاتب: ” ومن هنا كانت أفكار مالك بن نبي صادمة موجعة مدهشة.  ومن هنا تعسر مخاض الدخول إلى المعاصرة، ومن هنا كان حال العرب مثل الذبابة التي تطن في زجاجة فارغة بدون الاهتداء إلى العنق، وبذلك خسر الرجل جمهوره من الثوريين والقوميين، حين قال إن مؤشر نهضة الأمة هو كثرة الحديث عن النقد الذاتي والقابلية للاستعمار أكثر من الاستعمار، مما دفع جودت سعيد الذي تابع نهجه في سورية إلى القول: “إن مالك بن نبي صدمني حين تكلم عن القابلية للاستعمار لأنني كنت لا أسمع ولا أقرأ إلا إدانة الاستعمار والصليبية والماسونية والصهيونية….إلخ.  فكل متكلم في العالم الإسلامي كان يتكلم عن خبث الأعداء وتخطيطاتهم، ولكن من الصعب عليهم أن يتكلموا عن القابلية للاستعمار، بل يتهم من يتكلم عن القابلية للاستعمار أنه في صف الأعداء.”

—————————————————————–

خامسا: ويقول الكاتب مولاي محمد إسماعيلي   بمقالة عن مرض “القابلية للاستعمار” المزمن (5):  

 

“ومن بين أقوى الأفكار التي تحدث عنها المفكر الفيلسوف فكرة ” القابلية للاستعمار”، هذه الفكرة القوية يثبت عبرها مالك بن نبي أن دخول المستعمر إلى الدول المتخلفة أو دول العالم الثالث ليس من منطق أنه قوي ويمتلك عتادا حربيا متطورا أو جنودا مدربين بشكل جيد، ليس هذا ما جعلهم يحتلون أرضنا، إن ما جعلهم يحتلون أرضنا هو نحن، فقبل أن يشرع المستعمرون في تحركاتهم الاستعمارية، كانت نفسية الخنوع والانهزام قد تشكلت لدى العرب والمسلمين، مما سهل على المستعمر مأموريته فتمكنت آلته المدمرة من السيطرة على البلاد المتخلفة في كل أرجاء العالم في وقت قياسي. “

ويتابع الكاتب شرحه للفكرة: ” عندما خرجت هذه الفكرة إلى الوجود قامت جمعية علماء الجزائر ضد الأستاذ مالك بن نبي متهمة إياه أنه يشرعن للاستعمار ولا يحمله المسؤولية كاملة فيما ارتكبه من مجازر في حق الجزائريين، وهو ما أدى بها إلى مطالبة السلطات الجزائرية آنذاك بمنع كتاب ” وجهة العالم الإسلامي” الذي ألفه مالك بن نبي وتحدث فيه عن فكرة القابلية للإستعمار التي تعتبر فكرة خالصة للمفكر المجدد مالك بن نبي. “

ويستنتج الكاتب: ” لكن وبعد مرور مدة ليست بالقصيرة أدرك المسلمون أن كلام مالك بن نبي كان صحيحا وأن المشكلة الأولى التي تجعل كفتي الميزان مختلتين هي جرثومة القابلية للاستعمار المستوطنة في عقولنا منذ عصور الانحطاط الأولى عند فقدان الأندلس وبداية نهاية الإمبراطورية العثمانية،  لقد وقف المفكرون عند أهمية هذه الفكرة وتأكدوا أنه بدون معالجتها كمرض يصيبنا فلن تكون الأمور على ما يرام، لكن للأسف الشديد لم يستطع الكثير من المسلمين في العالم أن يتحرروا من القابلية للإستعمار رغم أنهم حصلوا على الاستقلال، فهم فعلا حصلوا على بعض الاستقلال السياسي وبقي الاستعمار الاقتصادي والثقافي والفكري مسيطرا، فمن ينظر إلى دول شمال إفريقيا مثلا يجدها مازالت تابعة بشكل قوي للمستعمر سياسيا واقتصاديا وثقافيا، فاقتصاداتها مرهونة بشكل كلي باقتصاد الدول الشمالية المستعمرة وعلى رأسها فرنسا، والتي زرعت في هذه الدول جيوشا من الأطر الذين تخرجوا في مدارسها وتشبعوا بثقافتها الفركفونية، فأصبحوا المدافعين الأوفياء عليها في بلدانهم الأصلية، وهم بذلك ممثلون غير رسميون للثقافة والفكر الفرنكفوني في الدول الجنوبية للمتوسط، أما مناهج التعليم في هذه الدول فهي لم تستطع بعد أن تنفك من عقدة التبعية المذلة للمناهج الفرنسية، ونقلها حرفيا إلى الضفة الجنوبية لتطبيقها رغم اختلاف الظروف الاجتماعية والثقافية بين البلدان، وهو ما يحتم علينا الفشل دائما، ونبقى على حالنا بدون شخصية ولا هوية ولا محاولات ذاتية للنهوض من النكبة،”

ويشير الكاتب الى مفهوم السننية الاسلامية وكيف استخدمتها امم حديثة للخروج من هذه الازمة, فقال:

“إننا لم نستوعب بعد منطق السفينة التي تحكم هذا العالم، فرغم أن الإسلام يؤكد دائما على السننية كمبدأ أساسي وضرورة احترامه لضمان سير جيد للمستقبل دون عراقيل ومشاكل تعيق المسيرة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فالسننية هي التي آمنت بها بعض الدول في جنوب شرق آسيا مثل ماليزيا وسنغافورة واندونيسيا واستطاعت في وقت قياسي أن تسجل نفسها في منظومة الدول المتقدمة التي تمتلك اقتصادات قوية، وتنافس بشكل جدي وملموس كبريات الإقتصادات العالمية، فهؤلاء فهموا الدرس جيدا وتأكدوا أن التبعية العمياء للأقوى لن تمكنهم من صنع شخصيتهم الأصلية ولن تجعل تجاربهم تتجاوز المربع الأول، إنهم استوعبوا الدرس واستطاعوا أن يضمنوا لأنفسهم مكانا في مصاف الدول الكبرى اقتصاديا وثقافيا وسياسيا، “

ويستنتج الكاتب ايضا: “إن القابلية للإستعمار لازالت جاثمة على عقولنا وولدت في لا وعينا مرضا آخر لا يقل خطورة منها، وهو التسليم بأن التفوق الأوروبي والأمريكي هو الغالب، ومهما حاولنا أن نواجههم فلن نستطيع، وترسخ بذلك هذا المرض مما شكل لدينا إحساسا عميقا بأن الدول المتخلفة حكم عليها القدر أن تكون في الصف الأخير دائما وأن التاريخ يحتم عليها أن تحمي ظهور أصحاب الصفوف الأولى وأن تبقى وفية بتزويدهم بالمواد الخام من أجل أن يضمنوا تفوقهم الدائم وهيمنتهم الكاملة. “

ويقارن الكاتب بين المسلمين وغيرهم بقوله: ” يتبجح الكثير من المنتسبين إلى الدين الإسلامي بقوة أفكاره وعالميتها، ويقولون بأنه دين يؤسس للطريقة المثالية للعيش في مجتمع العدالة والمساواة، لا يكل هؤلاء من ترديد أن الإسلام هو أعظم الديانات في هذا الوجود، نعم إن الإسلام هو أعظم دين في هذا الكون، وهو الدين الذي يمتلك منظومة أخلاقية واقتصادية واجتماعية وسياسية متكاملة يكمل بعضها بعضا، لكن لماذا تخلفنا نحن وتقدم الذين يصفهم الخطاب الديني لبعض المسلمين أنهم أهل ديانة مزورة ومزيفة، وأنهم من ساءت أعمالهم وهم يظنون أنهم يحسنون صنعا، إذا هناك خللا ما في مستوى معين؟. “

ويتحدث الكاتب عن سبب هذا الخلل بقوله: ” إن الخلل هو في المنتسبين إلى الإسلام الذين تخلوا عن جميع الأفكار النيرة في الإسلام تخلوا عن دراسة تعاليم هذا الدين الحنيف المسالم، و لم يعملوا على جعلها تحيا من أجل مصلحة الشعوب، تخلوا عن التعامل مع الرسالة المحمدية كرسالة منقذة للعالم دون أي إقصاء أو أي نفي للمخالفين في الرأي والعقيدة والعرق.   إذا استطاع المسلمون وغيرهم ممن يصنفون في دول العالم الثالث من التخلص في فكرة القابلية للاستعمار، وآمنوا مكانها بفكرة القابلية لصنع الحضارة والتاريخ في إيمان بسننية إلاهية مؤطرة لعملهم، وعلم ومعرفة يزودان العقل بما يحتاجه من حرية وانطلاق وتفكير، وإيمان مطلق بحرية الإنسان والأفكار والمعتقدات، حينها نستطيع أن ننطلق انطلاقة جديدة، انطلاقة كلها فن وإبداع ونظرة مشرقة إلى المستقبل، إن التاريخ لا يرحم من يتعامل معه بأي تشكل من أشكال التخلف والرجعية والانهزامية، إن التاريخ سيجل بفخر من يعملون لصناعته صناعة حقيقية مثمرة، عمادهم في ذلك هو علم حقيقي وسلم يعم الأمكنة والأزمة. فالعالم يقاس بما فيه من أفكار ولا يقاس بما فيه من أشياء كما قال المفكر العظيم مالك بن نبي.”

وحتى لايصاب القاريء بالملل, فانني اكتفي الان بهذا القدر من العرض الموجز لهذه المقالات الخمسة, على ان اتابع بقية المقالات في الجزء الثاني.

 

وللحديث تتمة

احمد عصمت بربور

العين في 23-04-2009

———————————————————————————-

المراجع:

 

(1)   قابلية الاستعمار, من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة:  تم الاسترجاع من http://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%82%D8%A7%D8%A8%D9%84%D9%8A%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D8%B9%D9%85%D8%A7%D8%B1

(2)   http://www.alwihdah.com/view.php?cat=1&id=1451  30/04/2005 فكر الوحدة * د. عبد الله بن ناصر الصبيح : كاتب سعودي  * المصدر: موقع الإسلام اليوم

 

(3)   http://www.al-ommah.org/v2/web/index.php4/news/main/126/event=view

           القابلية للإستعمار عند مالك بن نيي: نظرة فاحصة بقلم:الشيخ غازي التوبة

          موقع منبر الأمة الإسلامية للدراسات والبحوث – جميع الحقوق محفوظة 2005

 

(4)   مالك بن نبي موقع فيلسوف العصر المفكر مالك بن نبي رحمه الله http://www.binnabi.net/?p=303 القابلية للإستعمار فبراير  24th, 2008   

 

(5)   مرض “القابلية للاستعمار” المزمن      

مولاي محمد إسماعيلي    Tuesday, 20 November 2007 http://www.almothaqaf.com/index.php?option=com_content&task=view&id=23627&Itemid=2753

15 تعليق

  1. دراسة موجزة حول مفهوم القابلية للاستعمار (2)

    هذا هو الجزء الثاني من هذا العرض الموجز حيث ساقوم بتلخيص خمس مقالات جديدة لمتابعة عرض نعض الافكار المنتشرة في هذه المنتديات والصفحات الاليكترونية, لعلها تلقي الضوء على هذا الموضوع.

    سادسا: يقول الكاتب عبدالله محمد الغذامي في مقالته القابلية للاستعمار / القابلية للاضطهاد (6):

    ” قد قالها مالك بن نبي، من وقت مبكر، عن تعرض افريقيا والعالم العربي للاستعمار، واشار إلى اسباب ذلك، ومن بين اهم الاسباب هو القابلية للاستعمار، وقد كانت تقارير الحجاج من نصارى اوربا في القرون الوسطى سببا في الغزوات الصليبية، حيث لاحظ اولئك الحاجون الأوروبيون إلى بيت المقدس ان طرقهم لفلسطين عبر بلاد المسلمين لم تعد آمنة مثلما كانت من قبل، وكثر فيها قطاع الطرق واللصوص بلا رادع يردعهم، وهذا كشف لهم عن ضعف دولة الإسلام، ومن هنا صاروا يوصون بغزو بلاد الشام وفلسطين واحتلال القدس، إذ صار الحامي ضعيفاً والبلد هشة، ولقد رد احد المحللين الإنجليز على سؤال صحفي عن لماذا العراق كهدف لإدارة بوش، فقال لأن العراق قابل للهجوم، وهذه القابلية للهجوم هي دائماً بمثابة الطعم الخطير لأي قوة تهدف الى فرض سلطانها على الأرض وتمارس هيمنتها”
    والحل حسب رايء الكاتب هو: “لاشك ان العالم، كل العالم، يمر بأزمة ضمير ويتعرض لمغامرة مجهولة النتائج، وبما إنها كذلك فإن تضافر الجهود في مواجهة الخطر تصبح مهمة مقدسة لكل صاحب ضمير حي، وإن الذي نملكه كبشر في مقاومة العدوان كبير جدا، ولو قام كل امرئ بما يقوى عليه كأن يقول: لا، بصوت حي وفعال، فإن هذه (اللا) هي قوة بشرية ادت مفعولها من قبل في امثلة تاريخية لاتحصى، ومن الممكن ان تؤدي الدور نفسه بوقف العدوان، او بتخفيفه، او بمنع مزيد منه. “—————————————————————————————————
    سابعا: المقابلة مع أستاذ الاجتماع التونسي محمود الذوادي تحدث عن القابلية للاستعمار ونظرية «التخلف الآخر» (7):

    لقد تحدث الاستاذ في مقابلته عن موضوعات متعددة منها اللغة.. وكيف تصبح عنصراً للتخلف؟ وعن البلدان التي تعرضت لغتها للاستلاب، والتي حلت مكانها لغة تنتمي إلى ثقافة وحضارة أكثر تقدماً وحداثة، فلماذا حين استوردت النمط اللغوي من المستعمر لم تستورد معه حداثته وتقدمه وصناعته؟ وعن غزُو الثقافة الغربية للعالم والذي لم يتوفر في الثقافة اليابانية رغم غزو منتجاتها الصناعية العالم؟ وعن عولمة القهر, وعن الشعوب التي كانت من العالم الثالث وكانت مستعمرة كالصينيين مثلا، فكيف تخلصت من عقدة الاستعمار؟ وعن الهوية وعولمة أزمة الهويات؟ وعن الرموز الثقافية, وعن طاقة الرمز, ولماذا عجزت هذه الرموز عن الفاعلية لدى الشعوب التي اعتنقتها وآمنت بها، فاللغة لم تكن فاعلة في المغرب العربي مثلاً؟ وعن تصوالباحث لطريق الخروج من حالة التخلف التي يعاني منها العالم العربي؟ ولكن القسم الذي تحدث به عن القابلية للاستعمار كان:

    سؤال: “في كتابك «التخلف الآخر»، تتحدث عن شكل جديد من صور التخلف، تتجه فيه لتحديد مسارين هما: التخلف اللغوي الثقافي والتخلف النفسي، ألا يتقاطع هذا الرأي، وخاصة في الحيز النفسي، مع نظرية مالك بن نبي بشأن القابلية للاستعمار؟
    جواب: “بالنسبة لاستعدادية الإنسان المستعمَرْ للاستعمار، لا يمكننا أن نفهم ما قاله مالك بن نبي من دون تحديد الآليات التي تؤدي لهذه الحالة من الاستعداد للاستعمار، ومفهوم «التخلف الآخر» يصيب الهدف. لأن قابلية الاستعداد للاستعمار تتعلق أيضاً بالجانب النفسي الذي يتحدث عنه «التخلف الآخر»، وفيها الجانب اللغوي الثقافي بمعنى: أن الإنسان الذي يستعمر لغوياً، تم تجريده من أعزّ ما لديه، وبالتالي يصبح جاهزا للاستعمار. بالنسبة لنموذج تونس، فإن الزيتونيين الذين لديهم ما يمكن تسميته بالمناعة الثقافية لغوياً وثقافياً، كان من الصعب أن يسقطوا بسهولة في حالة الاستعداد للاستعمار. ومن هنا أنا أرى أن مقولة مالك بن نبي تصف واقعاً حقيقياً، لكنها لا تتحدث عن الآليات التي تؤدي إلى ذلك، ومفهوم «التخلف الآخر» في نظري يساعد على رسم تلك الآليات. ”

    سؤال: “لكن هناك شعوبا كانت من العالم الثالث وكانت مستعمرة كالصينيين مثلا، فكيف تخلصت من عقدة الاستعمار؟”
    جواب: “ما زالت بعض هذه الشعوب فاقدة لأدوات الحداثة الذوقية، وما زالت مستوردة لهذه الأدوات، وما زالت تنظر إلى الذات بمركب نقص لأن معطياتها الحاضرة لم تتغير كثيراً من دون إغفال أن الاستعمار الثقافي الذي بثّ ـ مثلما قال مالك بن نبي ـ الاستعداد للاستعمار. ”

    سؤال: ” كباحث في علم الاجتماع، ما هو تصورك لطريق الخروج من حالة التخلف التي يعاني منها العالم العربي؟
    جواب: ” انطلاقا من مفهوم الرموز الثقافية، يمكننا القول ان بداية المخرج من الأزمة تعني إعطاء الأولوية للجانب الثقافي، ونعلم أن أهم شيء في كينونة البشر هي تلك المنظومة الثقافية، والتي عبرتُ عنها بالمناعة الثقافية، لأن أي شعب لديه هذه المناعة فإنه من غير الوارد أن يصاب بفقدان الهوية أو الانسلاخ أو الاستلاب أو غيرها، خاصة على الأقل بالطريقة التي رأيناها. وحين نكسب رهان الهوية الثقافية فإننا سنطرح تساؤلات التقدم والتطور، ونتساءل حينها عن سبب غياب استراتيجية بحثية في الدول العربية، والمسألة تتم إذا كانت هناك قيادات سياسية مؤهلة لتطوير البحث العلمي بشكل مؤسسي، والمبني على أساسيات أهمها العلم والثقافة. فالمخرج باختصار يجب أن ينطلق من الإيمان بالذات وأننا مؤهلون كغيرنا لكي نخرج من مثالب التخلف بأنواعه المتعددة. ”
    ————————————————————————————————–

    ثامنا: مقالة الكاتب محمد شاويش حول إستخدامات لمفهوم “القابلية للاستعمار” عند مالك بن نبي والذي يشير فيه ان هذا المفهوم استخدم بغير الغرض الي اراده له مالك, حيث قال الكاتب:

    اشتهر مفهوم “القابلية للاستعمار” شهرة بالغة واستخدم لدعم توجهات متناقضة، وقلما تتم العودة إلى الاستعمال الأصلي لمبتكر المفهوم وهو المفكر الاسلامي الجزائري مالك بن نبي. المفهوم شديد الجاذبية فهو يبدو كأنه يلخص نصف مشكلة الاستعمار، فهو يطلب منا إلقاء الضوء على العيوب الداخلية في بني المجتمعات التي وقعت ضحية الاستعمار بعد أن كان التركيز المعتاد لحركات التحرر ينصب أساساً على الدور الذي قامت به القوى الاستعمارية في تأبيد التخلف أو حتى صناعته بعد إذ لم يكن موجوداً. وفي فقرة لاحقة يرى القارىء أن بن نبي لم ينكر دور الاستعمار في صناعة التخلف وبالذات في الجزائر، وأكثر من ذلك أنه وخلافاً للمعتقد الشائع عنه كان يعتبر القابلية للاستعمار بحد ذاتها نتاجاً لذلك الاستعمار وليست مقدمة مسببة له ولكنه على ما يظهر خضع أيضاً لإغراء المعنى اللغوي للمفهوم فاستعمل هذا المفهوم في بعض المواضع بالفعل بمعنى الصفة أو مجموعة الصفات البنيوية التي تسهل على الاستعمار مهمته الاستيلائية.
    ولكن بن نبي في جميع الأحوال كان رجلاً غيوراً على المسلمين وما كان يبتغي من هذا المفهوم إلا حث إخوانه في الدين على نفض غبار التقاعس والكسل العقلي والجسدي والنهوض لبناء حضارة الإسلام من جديد، حضارة قوية لا يستطيع الاستعمار اختراقها.”

    ويوضح الكاتب ان: “أما مستعملو هذا المفهوم اليوم فمنهم من ينطلق من رؤية إصلاحية ومنهم من ينطلق من رؤية تريد بصورة مباشرة أو غير مباشرة تبرير الخضوع السياسي والاقتصادي والثقافي للدول الكبرى عبر التركيز على فكرة أن العيب فينا والايحاء بأننا يجب أن نحد معركتنا بانفسنا ولا نحاول أن نفعل شيئاً ضد الخطر الخارجي والمعنى العملي النهائي لهذا التوجه هو تبرير الخضوع والتطبيع مع الصهيونية إلى اخره، وقد لا تبدو هذه النتيجة العملية حتمية ولكننا نراها دوماً وأنا أدعو القارىء لكي يقتنع بما قلت أن يراجع البرامج الحوارية التي يشارك فيها ضيوف من المطبعين لكي يرى أن هذه الحجة غالباً ما تستعمل من قبلهم.”

    ويبين الكاتب ان مالك: “في كتاب “شروط النهضة”, تحدث مالك بن نبي عما يسميه “معاملين” فعلا فعلهما في الانسان المستعمر: “المعامل الاستعماري” و “معامل القابلية للاستعمار“. هو ينطلق في تعميمه النظري من التجربة الجزائرية الطويلة المريرة مع الاستعمار الفرنسي: ”

    ويقول الكاتب: “لقد جاء الاستعمار فوجد شعباً ذا إمكانات طبيعية عظيمة شهد لها القائد الفرنسي “الجنرال بوجو”: كان هذا الجنرال “أول فرنسي أدرك حقيقة الشعب الجزائري وما ينطوي عليه من عبقرية فذة إدراكاً وضع بمقتضاه الطريقة المناسبة لاستقرار الاستعمار” كان بوجو يريد أن يجلب إلى الجزائر معمرين فرنسيين يتكافؤون في قيمتهم مع قيمة الشعب الجزائري الذي كان على مستوى كبير من التعليم يفوق _بشهادات كثير من المؤرخين وبما لا يقاس _ المستوى التعليمي للجيش الفرنسي المحتل، وهذه الحقيقة نادراً ما تذكر،”

    ويقول ايضا عن الغرب وعن التتار: “وفي الحقيقة فإن الغرب تحضر لأنه استعمر ولم يستعمر لأنه تحضر. أن يُقهر شعب متحضر من قبل شعب اقل تحضراً أمر يجب ألا يدهشنا إذا تذكرنا ما فعله التتار ببغداد ودمشق فهل كانوا أكثر تحضراً من بغداد ودمشق؟

    ويتحدث الكاتب عن دور الاستعمار فيقول: “على أن هذا الوعي بقيمة الشعب الجزائري المسلم لم يدفع المستعمرين إلا الى وضع خطة منظمة لتحطيم هذه القيمة وقد بدأت هذه الخطة خصوصاً بعد الهزيمة النكراء لفرنسا عام 1870م على يد بروسيا فقد أحست فرنسا بأنها لم يعد لها هيبة و “بدلاً من أن يدفعها شعورها بالنقص إلى الرفع من قيمة شعبها، فإنها _رغبة منها في إقرار التوازن بين المعمرين والمستعمرين _ عمدت إلى الانتقاص من قيمة هؤلاء الآخرين، وتحطيم قواهم الكامنة فيهم، فمنذ ذلك الحين بدأ الحط من قيمة الأهالي ينفذ بطرق فنية، كأنه معامل جبري وضع أمام قيمة كل فرد بقصد التنقيص من قيمته الاجتماعية”.
    هذه السياسة تضمنت إفقار الجزائريين وحرمانهم من التعليم والتضييق عليهم في التجارة والعمل والكتابة والكلام وإحاطتهم بشبكة مسمومة تعرقل كل جهد منتج وتنشر فيهم الأفكار المبخسة لقيمتهم.”

    ويستنتج الكاتب انه نتيجة لظاهرة الاستعمار تجلت ظاهرة القابلية للاستعمار: “…. ترك الفرنسيون الجزائر عام 1962م بلداً تبلغ نسبة الأمية فيه 93%، بلداً حُطمت ثقافته الوطنية واستُلبت هويته بحيث لزم وضع برنامج صعب لإعادة التعريب لاقى ويلاقي المقاومة من قبل النخبة المفرنسة قليلة العدد التي زرعها المستعمرون في المجتمع والتي هي في الحقيقة النموذج الأجلى لمفهوم “القابلية للاستعمار” وإن ظن بعضهم أنها _على العكس _ من طبيعة نهضوية تحمل في ذاتها بذرة القوة والاستقلال.”

    ويقول: “لنتذكر هذه النقطة إن الاستعمار هو الذي بدأ بدفع المجتمع المستعمر إلى طريق الانحدار الحضاري ولعل هذا ما تؤكده بحوث كثيرة قالت إن مستوى التطور التقني مثلاً في المستعمرات عند بدء الاستعمار لم يكن يقل بصورة عامة عن مستوى هذا التطور في دول “المتروبول” الاستعماري، ولتفسير الهزيمة العسكرية التي قادت المستعمرات إلى مستنقع التخلف الاقتصادي والتبعية السياسية توجد أسباب كثيرة معقدة ليس من بينها بالضرورة أن المستعمرين كانوا متقدمين.”

    ويفسر الكاتب مفهوم القابلية للاستعمار بما يلي: “لنأت الآن إلى المفهوم الأشهر لمالك بن نبي وهو مفهوم “القابلية للاستعمار” وهو عنده “المعامل الثاني” المكمل للمعامل الاستعماري. “المعامل الاستعماري” عامل خارجي يفرض على الكائن المغلوب على أمره الذي يسميه المستعمر “الأهلي” نموذجاً محدداً من الحياة والفكر والحركة وحين يكتمل خلق هذا النموذج يظهر من باطن الفرد معامل “القابلية للاستعمار” وهو معامل يجعل الفرد يستبطن مفاهيم المستعمر عنه ويقبل بالحدود التي رسمها المستعمر لشخصيته، ليس ذلك فحسب بل يدافع عنها ويكافح ضد إزالتها. ….عامل “القابلية للاستعمار” كما يشرحه بن نبي هنا هو العامل الداخلي المستجيب للعامل الخارجي، إنه رضوخ داخلي عميق لعامل الاستعمار، يرسخ الاستعمار ويجعل التخلص منه مستحيلاً.”
    ويتحدث الكاتب عن عدم حتمية حدوث هذا المفهوم فيقول: “على أن القارىء لمجمل كتابات بن نبي يرى أنه لا يعتقد بحتمية ظهور القابلية للاستعمار عند كل حالة استعمارية فهو يستشهد بألمانيا واليابان اللتين وقعتا تحت الاحتلال ولم تظهر فيهما قابلية الاستعمار. “
    وكذالك هناك حالات معاكسة, كما يبين الكاتب: “ومن جهة أخرى فثمة بلاد لم يدخلها الاستعمار ولكن فيها كما يقول قابلية الاستعمار، وبهذا نرى أن بن نبي يستعمل مفهوم “القابلية للاستعمار” بمعنيين مختلفين: المعنى الأول تكون فيه هذه القابلية ناتجة عن الواقعة الاستعمارية أو بتحديد أكثر عن الرضوخ الداخلي لهذه الواقعة وتقبلها ورفض إزالتها، أما المعنى الثاني فتكون فيه “القابلية للاستعمار” مجموعة من الصفات العقلية والنفسية وما يناسبها من علاقات اجتماعية تجعل المجتمع لا يستطيع مقاومة الاستعمار وتسهل للاستعمار مهمته.”
    ويقول الكاتب ان المعنى الثاني هو الذي اشتهر عن مالك: “المعنى الثاني هو الذي اشتهر حقيقة وهو الذي يساء استعماله، فإذا كان بن نبي أراد منه نقد المجتمع الإسلامي وتأنيبه وتبصيره بوضعه المزري لحثه على النهوض والتخلص من عيوبه فكان بهذا ابناً شفوقاً رحيماً بهذا المجتمع ينقده بدافع الغيرة عليه، فإن كثيراً ممن يستخدمونه الآن يريدون منه الدفاع عن الاستعمار بتركيز كل اللوم على مجتمعنا وحجب الأضواء عن القوة الخارجية الهائلة التي تضغط بل تضرب بقبضة حديدية كل حركة نهضوية عند المسلمين.”

    تاسعا: مقالة الكاتب وائل الحديني القابلية للاستعمار … مرحلة مابعد سقوط بغداد (9)

    يقول الكاتب معرفا هذا المفهوم بما يلي: “بما اننا لم نستطع الانتقال من السلوك المنحط الى السلوك العالي فى نظر المهندس / مالك بن نبي فنحن مجتمع قابل للاستعمار.. والقابلية للاستعمار … مفهوم اشتهر شهرة بالغة وتعددت الكتابات حوله ما بين مؤيد ومعارض .. لكن تسارع وتيرة الاحداث فى الفترة الاخيرة وعلى الاخص بعد سقوط بغداد صب فى الاتجاه التأييدي للمفهوم .. ليس هذا فقط ولكنه اوجد قيما او رؤي كان مجرد طرحها فى السابق جريمة…غير أن الاشكالية فى زمن الفوضى تبقى مرجعية القيم.. وسلطة التقييم…
    هذه ليست محاولة لتعميم فلسفة الهزائم وشيوع عقلية التبرير .. فقضية القيم العليا والسفلى كانت ومازالت الشغل الشاغل للكثيرين على مدار التاريخ خصوصا حينما تنحدر الامة الى حضيض ما يسمى مرحلة القصعة فتتداعى عليها الامم كما تتداعى الاكلة الى قصعتها…”

    ويتحدث الكاتب عن ماسي الامة العربية الحديثه ويختم حديثه بقوله: “لكن السلطة في هذه البقعة من العالم مازالت تحتكر الاعتقال والتعذيب والقتل … قد يكون الراحل صدام ومغاوير الحكم فى العالم العربي ضحية التقليد الاعمى لعبد الناصر دون القدرة على فهم الاختلافات بين قيم الخمسينات واستحقاقات الالفية الجديدة …..قد يكون صدام الضحية الاولى لقيم النفط والبقية ستأتي طالما ان هناك شعوبا تعبت من استعمار الداخل وبدأت تستجيب لاستعمار الخارج.. وحكومات تقبل بالحدود التى رسمها المستعمر الجديد (بوش) وتدافع وتكافح ضد ازالتها.. وطالما كان هناك جنود محطمي الكرامة لا امل لقتال فهم الاقرب لمغادرة الثكنات..صرخة اطلقها مالك بن نبي وبدلا من الانصات نظر الجميع للخارج نظرة شك وريبة وتركوا الداخل فريسة للمرض. ( كلما فسدت السلطة وترنح الشعب بعيدا عن منظومة القيم الاجتماعية كلما كانت قابليته للاستعمار اقرب ربما مما نتصور).
    —————————————————————————————————-
    عاشرا: مقالة المفكر الاستاذ جودت سعيد حول مالك بن نبي والقابلية للإستعمار (10)
    يتحدث الكاتب عن تاثير مالك على تفكيره فيقول: “لما تعرفت على أفكاره في أواسط الخمسينات من القرن الماضي في كتابه شروط النهضة, أصابني بصدمة فكرية لما طرح فكرة القابلية للإستعمار. وسبب أن هذه الفكرة صدمة لأنها تحمل فكرة القلب والإنعطاف مئة وثمانين درجة في تفسيرالأحداث. كنا غارقين في العداء للإستعمار وكراهية الإستعمار ووتحميله لكل المصائب التي نعانيها فجاء هذا الرجل وطرح تصوراً آخر للمشكلات وسماه مصطلح (القابلية للإستعمار). حيث كان المصطلح المقابل هو الإستعمار والإحتلال الذي شغل الناس كلهم. “

    ويتحدث الكاتب عن علافة افكار مالك مع الافكار والمفاهيم القرانية, فيقول: ” وأنا لما إطلعت على كتابه شروط النهضة لم أفهم جيداً أبعاد أفكاره ولكن أطلعني على تفسير مخالف لما هو دارج وبما أنني مرتبط بالقرآن فلم أستغرب فكرة الأستاذ مالك وإن كان جديداً على كل الجدة الأسلوب الذي يبحث يه المشكلات فصار معي الأمر كما صار مع جلال الدين الرومي حين التقى بشمس الدين التبريزي كيف قلب هذا الأخير أفكار الرومي فقال الرومي: هذه النار فما قصتها أحرقت ما عندنا وقدتها هكذا تعلقت بأفكار مالك ووجدت منطلقاته الفكرية في غاية العمق والإنسجام مع القرآن وإن كانت المصطلحات مختلفة. ”
    ويقيم الكاتب الكتابات التي تتحدث عن هذا الموضوع فيقول: “والآن حين يعاد تقييم أفكار مالك بن نبي بعد خمسين سنة كنا نتمنى أن يتجاوز العالم العربي والإسلامي أفكار مالك بن نبي ولكن لم يحدث بعد هذا التجاوز وكل ما حصل أن بعض الرجالات المتعمقين بدأو يطرحون فكرة القابلية للإستعمار بأساليب جديدة فمثلاً لما أسمع الدكتور عبد الوهاب المسيري في حوار معه في أحدى الفضائيات وهو المتخصص في مشكلة اليهود والصهيونية لما يقول الدكتور المسيري بكل الثقة وبكل الأدانة لمن لا يتمكن من تفسير الظاهرة الصهيونية منفصلاً عن الظاهرة الأمبريالية الإستعمارية لايكون مدركاً أبعاد المشكلة والذي يجعل المسيري المطلع جيداً وبعمق على هذا الموضوع يؤكد تبعية الصهيونية للإمبريالية الإستعمارية. وإن كان هناك أناسً لا يتمكنون من هذه الرؤية ويظنون أن الصهيونية هي التي تسخر الإستعمار وليس العكس ولكن مما يدعوا إلى التفاؤل أن أمثال الدكتور المسيري بدؤوا يظهرون ويتحدثون بأن المشكلة ليست اليهود ولا الإستعمار المشكلة عندنا والذين يطرحون الموضوع بهذا الشكل أشخاص متمكنون واصواتهم صارت تسمع مهما كانت مستغربة أو لا يدركها عليهم الا أفراد قليلون ولكن مهما يكن فقد بدأ الموضوع يطرح فهذا الذي نراه الآن سواء كانوا يعرفون شخص مالك بن نبي أولا يعرفونه إلا أن الفكرة الانقلابية التي طرحها مالك بن نبي بدأت تبرز إلى الساحة وتتداولها الأقلام وبكل الإعتداد يطرحون الفكرة التي تزداد قوة على مر الزمن. “

    ويشرح الكاتب علاقة الفكرة بالشخص وعدم تحولها الى سنة فيقول: ” وكان مالك بن نبي يتحدث عن الأفكارالمجردة والأفكار المشخصنة وكان مالك يتمنى أن تتجرد الأفكار من أصحابها لأن الأفكار تظل ضعيفة ما دامت متعلقة بالأشخاص كأن الفكرة تستمد قوتها من الشخص لامن الموضوع فكأنها تحتاج إلى سند شخصي ومتكأ لاستمداد القوة ، والآن أنا أشعر أن أفكار مالك بن نبي بدأت تتجرد حتى من شخص مالك بن نبي ومن الدائرة الأولية التي تفهمت أفكار مالك بن نبي لتكتسب قوة الأفكار المجردة التي تحولت الى قوانين اجتماعية وسنن تاريخية ، سنة الله في الذ ين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا ، ومالك بن نبي كان يرى الإنسان لايمكن أن يُـذل ولايمكن أن يُستعمر إلابخضوعه الذاتي وليس من قوة أعدائه.”
    ويوضح الكاتب الفكرة بقصة رمزية كتبها مالك, فيقول: ” لقد وضع في مقدمة كتاب شروط النهضة انشودة رمزية، “إن آدم لماأهبط إلى الأرض وجدها عامرة بالحيوانات الكاسرة ذوات الأنياب والمخالب وجاء هو إلى الأرض عريانا ضعيفا يدب على الأرض بينما يرى النسور والعقبان في جو السماء والحيتان في المياه العميقة والوحوش المفترسة في الغابات الكثيفة فرأى آدم نفسه أعزل عريانا أمام هذه الكائنات التي سبقت الإنسان في العيش على هذه الأرض فشكى أمره إلى ربه ، فقال له ربه : لقد أعطيتك عقلا يمكن أن تطيربه في السماء وتغوص به إلى الأعماق وتحد من قوة الوحوش الكاسرة ،”
    ويشبه الكاتب مالكا باقبال, المفكر الاسلامي الباكستاني: “إن مالك بن نبي مثل محمد إقبال في قصيدته الشكوى وجواب الشكوى حيث شكى محمد إقبال إلى رب العالمين حال المسلمين في هذه الأرض كيف سخرت منهم الأعداء وإن سخرية الأعداء مريرة وأين وعدك يارب وأنت أهل الوفاء ونحن الذين حملنا أرواحنا على أكفنا ليكون اسمك الأعلى في هذا الوجود؟ فكانت القصيدة الأخرى جواب الشكوى جواب رب العالمين على شكوى إقبال : ياهذالقد أثبت شكواك فأثبت قدرة الخالق فيك ،”
    ويؤكد الكاتب ان: “كل هذه الأفكار العميقة هي إثبات لسلطان الإنسان وخلافته على هذه الأرض وأنه ليس لقوى الشر سلطان على الإنسان إن لم يستسلم الإنسان لقوى الشر (إن عبادي ليس لك عليهم سلطان) (إنما سلطانه على الذين يتبعونه), وفي الواقع حينما كنت أطرب واشعر بالسعادة من أفكار إقبال ومالك مهما كان المعجبون بها والفاهمون لأفكارهم قليلين وأمثلهم طريقة يَِحذرهُم ويرون أفكارهم شطحات من إقبال وغموض في تحليلات مالك”
    ويقول الكاتب ان هذه الافكار اصبحت مدعومة بايات من القران الكريم وسنن التاريخ: “إلاأن أفكار مالك وإقبال صارت ألآن مدعومة بآيات الآفاق والأنفس وسنن التاريخ من قبل الذين يدرسون التاريخ البشري يرون الكون ينطق ووعد الله يظهر في أكثر من مجال وهي إرهاصات لمستقبل الإنسان على هذه الأرض، وبدأت تلوح للمفكرين الذين يكثرون كل يوم ويبرزون بثبات قدم وعلومهم وشموخ يقين بأن الروح الذي نفخ الله في آدم لن يستسلم للذل إن (الله لم يكن له ولي من الذل) ، (ولايذل من واليت ولايعزمن عاديت) إن الفكرة التي أبرزها مالك بن نبي وبشربها محمد إقبال وتنبأبها جلال نوري هذه الفكرة هي التي رأيتهاتمثل لب القرآن ،إن القرآن يقلب تصورالناس بفكرة ( ظالمي أنفسهم ) إن القرآن يهتم بالظلم الذي يلحقه الإنسان بنفسه أكثر من اهتمام القرآن بالظلم الذي يلحق الإنسان من الآخرين فهذا ماكان عمر يفهمه جيدا وذلك حين كتب الى المجاهدين قائلا لهم : وأنا أخوف عليكم من ذنوبكم أكثر من قوة أعدائكم عليكم . ”
    ويشرح جودت تحدث القران عن ظالمي انفسهم بقوله: ” إن القرآن لما أطلق فكرة ( ظلم النفس ) و(ظالمي أنفسهم ) و (ماظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ) وقد قال لأهل أحد حين أصابهم القرح وقالوا : (أنى هذا) فقال الله لهم : (قل هو من عند انفسكم)
    ، ولم يقل لهم إن ماأصابكم من قوة أعدائكم وحذقهم وإنما قال لهم : من خطئكم. هذا قانون الله الذي يؤكده كثير من المفكرين حين يبدؤون حديثهم ويختتمونه بهذه الفكرة القرآنية بشعورمنهم أوبدون شعور ، وهذا تقدم في العالم الإسلامي والعرب وكل مستضعفي الأرض والرسول (ص) يؤكد هذا في الحديث القد سي حين يقول : (ياعبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه. )

    ويوضح جودت مفهوم لوم النفس وليس الاخر بقوله: “هذا قانون الله وقول خاتم الأنبياء والمبشر بآيات الآفاق والأنفس في تحقيق علم الله في الإنسان بالتخلص من الفساد في الأرض ، وإن كنا نحن لانزال نلوم كل أحد ما عدا أنفسنا فمن هنا استبشر حين نسمع ونرى بروز المفكرين الذين يؤكدون هذه الظاهرة القرآنية والنبوية والتاريخية التي غفل عنها بنوآدم عموما. إن آدم أبو البشر جميعا لم يقل خدعني الشيطان حين أخطأ وأكل من الشجرة وإنما قال آدم وزوجه: (ربنا ظلمنا أنفسنا) ، وبهذا الاعتراف المبين استأهلا الخلافة في الأرض والاجتباء لآدم زوجه واستحق ابليس الذي لم يعترف بعصيانه الطرد والدحر وسيتبرأهذا الشيطان يوم القيامة من الناس وسيقول لهم : (ماكان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم)” ويتسائل الكاتب: ” إذن ما المشكلة؟ إن المشكلة أن روح الله الغلاب في الإنسان سيتغلب على كل الصعوبات وسيعترف الناس بالعقل الذي يميزالخير من الشر ويكشف الأسباب والعواقب وسيدرك أن المشكلة ليست في الاستعمار ولا اليهود ولاأمريكا ولا الشيطان ، المشكلة أننا نحن العرب والمسلمين لا نزال نؤمن بقوة الشر والباطل والإكراه وليس بقوة الخير والحق واللاإكراه ولانزال نظن أن الإكراه هو قانون الله هذا الوهم هو الذي يفسد علينا الحياة.”
    ويوضح جودت العلاقة بين الاسماء والمصطلحات, فيقول: “إن المصطلحات والأسماء لاتغني شيئا ولكن الرجوع الى الوقائع هي التي تنير الطريق ، إن القابلية للا ستعمار والخداع والإيمان بالسحر سيتخلص الإنسان من هذا كله وسنكشف قدرة الإنسان وسلطانه وقدرته على العلم والتسخير وعند ذلك فسوف لن يتمكن أحد من أن يذلنا لا الاستعمار ولا المستكبرين في الأرض وسنكتشف التوحيد من جديد وسوف لن يتمكن أحد من أن يفرض علينا عبادته من دون الله رب العالمين. ”
    ——————————————————————————————–

    اكتفي الان بهذا القدر من العرض الموجز لهذه المقالات الخمسة, على ان اتابع بقية المقالات في الجزء الثالث.

    وللحديث تتمة
    احمد عصمت بربور
    العين في 24-04-2009
    ————————————————————————————————-
    المراجع:

    (6) القابلية للاستعمار / القابلية للاضطهاد عبدالله محمد الغذامي http://www.alriyadh.com/2003/03/13/article22750.html

    (7) بن نبي تحدث عن القابلية للاستعمار ونظرية «التخلف الآخر» حددت آليات القابلية أستاذ الاجتماع التونسي محمود الذوادي في حوار مع :«الشرق الأوسط»
    http://www.aawsat.com/details.asp?section=19&article=285433&issueno=9589
    الرياض: ميرزا الخويلدي
    (8) إستخدامات لمفهوم “القابلية للاستعمار” عند مالك بن نبي محمد شاويش
    http://www.balagh.com/mosoa/garb/rm0q5cxd.htm

    (9) وائل الحديني, بكالوريوس اعلام, القابلية للاستعمار … مرحلة مابعد سقوط بغداد 04-17-2007
    http://www.aljazeeratalk.net/forum/archive/index.php/t-30289.html

    (10) مالك بن نبي والقابلية للإستعمار, جودت سعيد. مقالات ((مجلة المجلة))
    http://jawdatsaid.net/index.php?title=%D9%85%D8%A7%D9%84%D9%83_%D8%A8%D9%86_%D9%86%D8%A8%D9%8A_%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A7%D8%A8%D9%84%D9%8A%D8%A9_%D9%84%D9%84%D8%A5%D8%B3%D8%AA%D8%B9%D9%85%D8%A7%D8%B1
    تصنيفات: مقالات مجلة المجلة | مقالات | مالك بن نبي
    آخر تعديل لهذه الصفحة كان في ٠٩:٥٦، ١٠ فبراير ٢٠٠٩. تم عرض هذه الصفحة ٢٤٥ مرة.

    إعجاب

  2. يذكر طلبتي الأعزاء في الجزائر -جتمعة قسطنطية لعام 1985-86 ان اجرينا الكثير من الدراسات على المصالح التي يعرضها مالك وتوقفنا كثيرا عند قيم حيوية تلك المصالح بالمقارنة مع مفكر آخر هام جدا هو ابن باديس وكان له تأثير عليه وعلى الجزائر عامة

    قبل ان نتوقف عند قياس حيوية اشكالية ابن مالك فإن الأمر يتطلب تعريفا به كشخص
    للأسف لم نعثر على تقديم جيد ولكن لابأس من أذ هذا التقديم على عواهنه
    مع انتظار المزيد من الصديق بربور

    http://www.binnabi.net/?p=371

    مالك بن نبي وتكوينه السلفي
    يناير 9th, 2009
    محمد سيد بركة

    مالك بن نبي (1905- 1973م) من أعلام الفكر الإسلامي الذين حُجب فكرهم عن الناس عدم اهتمام الدارسين بهم، فقد أمضى أكثر من ثلاثين عامًا متأملاً يحلِّل ويضع شروط النهضة للمجتمع الإسلامي. وُلد مالك بن نبي عام 1905 في قسنطينة شرق الجزائر، وكانت مراحل دراسته الابتدائية والثانوية بين مدينتيْ (تِبِسّة) و(قسنطينة). سافر عام 1925 إلى مرسيليا وليون وباريس؛ بحثًا عن عمل ولكن دون جدوى، فعاد إلى الجزائر حيث عمل في تِبسَّة مساعد كاتب في المحكمة، وأتاح له عمله هذا الاحتكاك بمختلف شرائح المجتمع أيام الاستعمار؛ ما ساعده على تفسير ظواهر مختلفة فيما بعد.

    وفي عام 1928 تعرَّف مالك بن نبي على الشيخ عبد الحميد بن باديس (1887- 1940م)، وعرف قيمته الإصلاحية، ثم سافر مرة ثانية إلى فرنسا عام 1930؛ حيث سعى للدخول إلى معهد الدراسات الشرقية، ولكنه لم ينجح في الدخول، وسُمح له بدخول معهد اللاسلكي وتخرَّج فيه مهندسًا كهربائيًّا.
    بقي في باريس من عام 1939 إلى 1956، ثم ذهب إلى القاهرة للمشاركة في الثورة الجزائرية من هناك. انتقل إلى الجزائر عام 1963 ـ بعد الاستقلال ـ حيث عُيِّن مديرًا للتعليم العالي، ولكنه استقال من منصبه عام 1967، وانقطع للعمل الفكري وتنظيم ندوات فكرية كان يحضرها الطلبة من مختلف المشارب كانت النواة لملتقى الفكر الإسلامي، الذي يُعقد كل عام في الجزائر، وظل مالك بن نبي يُنير الطريق أمام العالم الإسلامي بفكره إلى أن تُوفي في 31 أكتوبر عام 1973.
    كتبه ومؤلفاته

    أما آثاره الفكرية، فيمكن القول إنه لم يكف عن التأليف منذ سنة 1946 حيث ألَّف أول كتاب له وهو (الظاهرة القرآنية)، وتلاه برواية (لبَّيك) 1947 وهي رواية فلسفية، ثم (شروط النهضة) 1948، (وجهة العالم الإسلامي)، (الفكرة الأفروآسيوية) 1956، (مشكلة الثقافة) 1959، (الصراع الفكري في البلاد المستعمرة) 1960، وهو أول كتاب كتبه مالك بن نبي بالعربية مباشرة بخلاف معظم كتبه التي ألَّفها بالفرنسية. وفي عام 1960 كتب أيضًا كتابه (فكرة كومنولث إسلامي)، (ميلاد مجتمع) 1962، (إنتاج المستشرقين وأثره في الفكر الإسلامي) 1969، (مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي)، (مذكرات شاهد القرن) 1970، (المسلم في عالم الاقتصاد)، ونشر له بعد وفاته كتب (دور المسلم ورسالته في القرن العشرين) 1977، (بين الرشاد والتيه) 1978، ولمالك بن نبي آثار فكرية لم تطبع، وهي في صورة مخطوطات مثل: (دولة مجتمع إسلامي)، (العلاقات الاجتماعية وأثر الدين فيها)، (مجالس تفكير) وغيرها.

    مذكرات شاهد للقرن
    أصدر المفكر الجزائري مالك بن نبي الجزء الأول من مذكرات شاهد القرن في عام 1966 بعنوان “مذكرات شاهد القرن: الطفل”، تضمن الكتاب طفولة الكاتب، وقام بترجمته إلى العربية مروان قنواتي، وفي بداية السبعينيات ألف مالك بن نبي الجزء الثاني مباشرة باللغة العربية، وخصصه لمرحلة دراسته في باريس، وتمتد هذه الفترة من 1930 إلى 1939. رسمت لنا المذكرات صورة واضحة للحياة السياسية والاجتماعية والعلمية في الجزائر في الثلاثينيات، وامتد وصف “بن نبي” إلى فرنسا، التي تعيش فيها الجالية الجزائرية والعربية، وبيّن أيضًا العوامل التي أثرت على تكوين شخصيته، وعبّر عن همومه وطموحاته بعد إتمام دراساته العليا، والذي يهمنا في هذا المقال هي بعض هذه المؤثرات والطموحات التي لها صلة مباشرة بالحجاز.

    تأثير العلماء الجزائريين العائدين من الحجاز

    لا بد من لفت النظر إلى الأثر الذي تركه في الحياة العلمية والدينية في الجزائر العلماء الجزائريون الذين عادوا إلى الجزائر بعد إقامة طويلة في الحجاز، ولقد تحدث مالك بن نبي عن شخصيتين هما: الشيخ الطيب العقبي ومحمد الطاهر العنيزي. ولد الشيخ الطيب العقبي في عام 1307 هــ/ 1890م في بلدة سيدي عقبة في الصحراء الجزائرية، هاجر مع عائلته إلى المدينة المنورة، وتلقى العلم في المسجد النبوي ثم صار معلمًا في الجامع نفسه.
    كتب في الصحافة العربية وتعرف على محب الدين الخطيب وشكيب أرسلان، عمل الشيخ الطيب العقبي مديرًا على المطبعة الأميرية بعد الحرب العالمية الأولى، وترأس جريدة القبلة الصادرة بمكة بعد رحيل محب الدين الخطيب إلى سوريا، عاد الشيخ الطيب العقبي إلى الجزائر في 4 مارس 1920 بينما بقي أخوه في الحجاز في خدمة الملك ابن سعود، استقر العقبي في بسكرة في الجنوب الجزائري، أسس جريدة صدى الصحراء في ديسمبر 1925، وكانت لها شهرة كبيرة في الشرق الجزائري وحرص بن نبي على مطالعتها إلى درجة أنه كان يقلق كثيرًا، كلما حدث تأخر بسيط في صدور هذه الصحيفة، لم يتحدث بن نبي عن الإصلاح وهي الجريدة الثانية التي أصدرها الشيخ العقبي في سنة 1927، والتي عرفت رواجًا أكثر من الأولى. شارك الشيخ الطيب العقبي في تأسيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، وكان من ألمع قادتها وترأس هيئة تحرير كل الصحف التي أنشأتها الجمعية (السنة، الشريعة، الصراط، البصائر) في الثلاثينيات. تأثر مالك بن نبي كثيرًا بالشيخ العقبي، وفضله في شبابه على الشيخ عبد الحميد بن باديس: “كان الشيخ العقبي يبدو في ناظريْ بدويًّا بينما يبدو الشيخ ابن باديس بلديًّا، وحين بدأت فيما بعد معركة الإصلاح، وكنت أحد المشتركين فيها، بقيت أحمل في أعماقي شيئًا من التحفظ تجاه بن باديس، وبعض الأسى لكون الشيخ العقبي لا يقود تلك الحركة، ولا يرأس جمعية العلماء”.
    وقد غيّر بن نبي رأيه عن الشيخ ابن باديس فيما بعد، التقى مالك بن نبي بالشيخ الطيب العقبي وحضر بعض النشاطات الثقافية التي كان ينظمها نادي الترقي الذي يشرف عليه الشيخ العقبي في العاصمة الجزائرية. أما الشيخ محمد الطاهر العنيزي فهو الشخصية الثانية التي عادت من الحجاز ولعبت دورًا في الحياة العامة في قسنطينة، ولم نستطع معرفة الكثير عن هذه الشخصية، ومنهج مالك بن نبي في المذكرات أنه لا يقف كثيرًا أمام الأعلام التي يتحدث عنها، ويبدو أن هذه الشخصية لم تلعب إلا دورًا محليًّا؛ مما جعلها مجهولة لدى المؤرخين والباحثين.
    يقول عن الشيخ العنيزي: كان يتحدث بلهجة البدوي القادم من الجزيرة العربية، لقد كانت ثقافته عربيةً، ويضع على رأسه بصورة دائمة الكوفية والعقال؛ ولذلك كله أضحى مقبولاً في وسطنا، لقد كان ثائرًا على كل شيء، ولم أره يومًا يمدح أحدًا أو شيئًا من الأشياء ووضع كثيرًا من القضايا موضع بحث وتدقيق، كذا كان نسق ثورته، ويضع قشًّا على الجمرة المشتعلة في النفوس، وفصاحته العربية كانت تمارس تأثيرها في العقول التي تفكر أو تتكلم بالفرنسية.
    صد الدعوة الإصلاحية في الجزائر

    قرأ مالك بن نبي في شبابه جريدة أم القرى التي كانت تصدر في مكة، واعتبرها مالك بن نبي صحيفة للشيخ الطيب العقبي، وتكرر هذا الخطأ مرتين في مذكراته، والحقيقة أن هذه الصحيفة لم يشرف عليها الشيخ العقبي، وإنما كان مديرًا لجريدة القبلة كما ذكرنا سابقًا، فجريدة أم القرى تأسست في 12 ديسمبر 1924 أي بعد مغادرة الشيخ العقبي للحجاز بـ 4 سنوات، بالإضافة إلى أن الحدث الذي أشار إليه بن نبي وقع حين كان العقبي في مكة، وهو تحريض الجاسوس البريطاني لورانس للشريف حسين على إقامة إمبراطورية عربية مستقلة عن الخلافة العثمانية. تأسست جريدة القبلة في 15 أغسطس 1916 وتوقفت عن الصدور في 25 سبتمبر 1924، ترأس تحريرها محب الدين الخطيب حتى عام 1919، وخلفه حسين الصبان بعد أن عمل الشيخ العقبي مديرًا لها.
    تصل جريدة القبلة إلى الشرق الجزائري، ولا شك أنها كانت تدخل مع الحُجاج الذين يحملونها معهم في حقائبهم بعد قضاء مناسك الحج والرحالون طلابًا أو تجارًا وأصحاب الاشتراكات الفردية، فقد أشارت الصحيفة إلى اشتراك كثير من القراء في العالم العربي دون أن تعطي التفاصيل، وتأتي شهادة مالك بن نبي دليلاً آخر على انتشار جريدة القبلة خارج حدود شبه الجزيرة العربية.
    ولقد انتقلت دعوة الإمام محمد عبد الوهاب من الحجاز إلى الجزائر خاصة عن طريق الحجاج، ويرى بعض المؤرخين أن الشيخ محمد علي بن السنوسي أول من حمل الفكر الإصلاحي الوهابي إلى الجزائر بعد رجوعه من الحج، لكن تأثر السنوسية بالتصوف أبعدها عن الوهابية، انضم مالك بن نبي إلى الحركة الإصلاحية الجزائرية؛ لأنها كانت تمثل في نظره “الصورة الجزائرية للفكرة الوهابية”.
    وكان من أكبر أنصار الدعوة وحركة الإصلاح والتجديد في الجزائر الشيخ صالح بن مهنا، الشيخ عبد القادر المجاوي، الشيخ عبد الحليم بن سماية، الشيخ المولود بن الموهوب، الشيخ عبد الحميد بن باديس، الشيخ الطيب العقبي، والشيخ محمد المبارك الميلي صاحب كتاب ” الشرك ومظاهره “.. إلخ، وقد تعرف مالك بن نبي في شبابه على معظم هؤلاء العلماء وحضر جلساتهم واستفاد من علمهم. يرى مالك بن نبي، خلافًا للباحثين الذين كتبوا عن الحركة الإصلاحية الجزائرية، أن هذه تأثرت كثيرًا بدعوة جمال الدين الأفغاني والشيخ محمد عبده ولكنها لم تبدأ معها، فالحركة الإصلاحية الجزائرية تأثرت أيضًا قبل ذلك بما قام به الإمام محمد بن عبد الوهاب من إصلاحات في الحجاز.

    امتد تأثر الدعوة إلى الشباب الجزائري فتأسست جمعية الشباب الموحدين في الجزائر العاصمة في بداية الخمسينيات، وكان من أنشط أعضائها محمد الهادي السنوسي، وأبو بكر جابر الجزائري وكان الشيخ العقبي مرشدها الأول وموجهها الديني، تهدف الجمعية إلى ” أغراض شريفة سامية بسمو الغاية من التوحيد في الإسلام، والمعروف من الدين بالضرورة “وتسعى” لجمع كلمة الشباب على التوحيد الخالص الذي هو وحده الدواء لكل أداء الشباب، “وهي تؤمن إيمانًا راسخًَا” أن تجديد هذه الأمة لا يتأتى إلا على هدي منقذ البشرية من الضلالة محمد رسول رب العالمين “اعتمدت جمعية الشباب الموحدين في دعوتها على الصحافة (دعوة، اللواء، القبس)، وتنظيم الدروس والمحاضرات.
    الهجرة إلى الحجاز

    كان حلم مالك بن نبي وزوجته الفرنسية المسلمة أن يستقرا في الطائف بعد تخرجه من مدرسة المهندسين بباريس، وعبّر عن هذه الرغبة في مذكراته بصورة متكررة “تأكدت لدي فكرة السفر إلى الحجاز، فرارًا من العيش في أرض استعمار أو في أرض مستعمرة؛ لأنني سئمت فيها الوجوه والآفاق”، ويقول في موقع آخر: “وبدأت أفكر جديًّا في الهجرة إلى الحجاز لأستقر بالطائف، وكان لكل منهما مشروع خاص لخدمة هذا البلد، تقوم زوجته بالزراعة وتربية الحيوانات على الطريقة الغربية وتعليم الخياطة ونسج الإبرة للبنات، أما مالك بن نبي فيشتغل بتجارة العطور الفرنسية أو تحويل بقايا أضحية العيد إلى أسمدة، وتحويل الحرارة الشمسية إلى طاقة.
    لما تحمس مالك بن نبي للهجرة إلى الحجاز، عرفت أسرته كلها تقريبًا الحجاز وأدت فريضة الحج، وكان بن نبي حريصًَا دائمًا ومنذ صغره على سماع أخبار البقاع المقدسة، وقد أورد في مذكراته اللحظات السعيدة التي قضاها إلى جانب أمه التي كانت تقص عليه ما شاهدته في مكة المكرمة، ورغم أن الكتاب ألفه بن نبي بعد مرور ثلاثين عامًا على هذا الحدث إلا أنه ما زال يتذكره كأنه وقع فقط منذ لحظات قليلة: “كانت والدتي تنتظرني لتقص عليَّ قصة حجها (…) واسترسلت، وكنت أخشى أن تسكت عندما ترى دمعي، بالرغم من أن الغرفة كانت نصف مظلمة (…)، ولكن كان الحديث مؤثرًا تهزني منه أحيانًا هزات لا أستطيع كبتها، فأتظاهر بالعطش حتى أذهب إلى الشرفة حيث يوجد برادات الماء فأطلق العنان للدمع”.
    بالإضافة إلى العامل الديني الذي يحث المسلمين على الحج ودراسة سيرة الرسول – صلى الله عليه وسلم، والصحابة – رضوان الله عليهم – التي وقعت معظم أحداثها في شبه الجزيرة العربية، وتأثره ببعض المثقفين الذين درسوا وعاشوا في الحجاز كما ذكرنا من قبل، كان مالك بن نبي يرى في الدولة السعودية الفتية كيانًا سياسيًّا قائمًا على المجتمع الإسلامي الذي كان ينشده، وتجسيدًا على أرض الواقع للدعوة الوهابية في بعدها التجديدي التي آمن بها، فلا شك أن من طبيعة الإنسان أن يسعى لدعم الدولة القائمة على الفكرة التي اعتقد بها وخدمتها، وخاصة أن الملك “عبد العزيز” كان يريد الاعتماد أكثر على الإطارات الإسلامية في بناء دولته الجديدة حتى يتجنب الأخطاء والمشكلات التي وقع فيها الملوك العرب الذين استقدموا العلماء والمهندسين من أوروبا وكانت النتيجة تضخم الديون وبقاء التخلف، وفتح المجال للغزو الاستعماري في كل أشكاله.
    لا بد من لفت النظر إلى عامل آخر خاص بالنخبة الجزائرية، فقد يئست من مستقبل العروبة والإسلام في الجزائر بعد أن فشلت كل الثورات وحركات الجهاد التي قام بها الجزائريون منذ قرن لإخراج الجيوش الفرنسية من الجزائر، فظهرت الهجرات إلى المشرق العربي هروبًا من الاستعمار الذي رسّخ أقدامه وبسط سيطرته على كل مجالات حياة الناس، وراح يمارس مضايقات كثيرة على كل نشاط إصلاحي أو سياسي ذي توجه عربي، الذي يرفض بقوة السياسة الاستعمارية التي تقوم على الاستيطان والاندماج، وكان من أبرز المهاجرين إلى الحجاز قبل الحرب العالمية الأولى: الشيخ حمدان الونيسي الذي صار إمامًا بالمسجد النبوي، الأديب الشهير أحمد رضا حوحو، العلامة محمد البشير الإبراهيمي والشيخ الطيب العقبي.

    لم تكن رغبة مالك بن نبي للإقامة في الحجاز شعورًا عابرًا، فقد قام بكل الإجراءات الإدارية لتحقيق حلمه وتحويله إلى واقع ملموس، لكن القنصلية المصرية بباريس رفضت أن تمنحه تأشيرة للمرور على ميناء السويس، فكانت بحق صدمة عنيفة له: “إن الاستعمار يستطيع أن يتمسك في بعض الحالات بمظاهر المشروعية؛ لأن خونة من بين العرب ومن بين المسلمين يتولون الأمر، للقيام بالدور الذي لا تسمح له به كبرياؤه في تلك اللحظة”، وازداد وقع الخيبة حين علم أن أحد زملائه من يهود أوربا الشرقية تحصل على التأشيرة المصرية بدون عناء واستقر عامًا في مصر.

    لم يتمكن مالك بن نبي من الهجرة إلى الحجاز والاستقرار مع أهله في الطائف وتحقق جزء من حلمه في الخمسينيات عندما أدى فريضة الحج، وحرص على العودة إلى بيت الله الحرام في الستينيات وبداية السبعينيات.
    إن الشعور الذي عبّر عنه مالك بن نبي في مذكراته نحو الحجاز يدل دلالة واضحة على الصلة الروحية القوية إلى تربط دائمًا المسلمين بالأراضي المقدسة، فيها ظهرت رسالة الإسلام ومنها انطلقت الدعوة وحركة التجديد في العصر الحديث بقيادة الإمام محمد عبد الوهاب، وقد عملت حكومة الاحتلال الفرنسية على عزل الجزائريين عن هذه الحركة الإسلامية، وراقبت بشدة رحلات الحجاج الجزائريين إلا أنها فشلت في منع تسرب الأفكار الإصلاحية إلى الجزائر وأصبحت للدعوة كيانًَا قائمًا تمثلت في جمعية العلماء المسلمين الجزائريين وحجاج الشباب الموحدين.

    أدرج في قراءات نقدية |

    5 تعليقات
    هيثم يعلق:
    فبراير 3rd, 2009 على 1:47 am
    اعتقد ان تكوين هذا الفيلسوف اولا وقبل كل شئ اسلامي ولاعلاقة له بالحركة السلفية … فهي حركة هدامة ومتخلفة تتخذ من السلف شعار لها لغسل عقول الشباب …ولو عرضت صورة هذا العالم الجليل رحمه الله الى اي سلفي لكفره لا لشي سوى لانه بدون لحية …فهم يهتمون بالقشور دون الفحوى والجوهر…ارجو من القائمين على الموقع نشر تعليقي وشكرا لكم ورحم الله الفقيد وجعل تراثه الفكري في ميزان اعماله

    بخوش باتنة يعلق:
    فبراير 5th, 2009 على 7:01 pm
    هذا مايصنعه الايمان بالفكرة عند الرجال الاطهار وليخسأ الحاقدون نعم لحياة الافكار الحية وسحقا للغوغاء والضوضاء والنفاق.

    عبدالله ابراهيم يعلق:
    فبراير 8th, 2009 على 12:49 pm
    سبحان الله يقول الكاتب تكوينه السلفي .. انا لا ادري لماذا يحاول الكاتب ان يلصق هذه التهمه نعم اسميها التهمه على هذا الفيلسوف الكبير مالك بن نبي لم يقل انه سلفي(أي وهابي) ولم يصرح بذلك بل ولم يقل ذلك في كتبه وحتى لو عاش في بيئةاصلاحية كانت تتبنى هذا الفكر فلا يعني ذلك انه مؤمن بأفكارهم ومعتقداتهم بل لواستشار بن نبي علماء الوهابية في السعودية عن عزمه على الذهاب الى فرنسا ودراسة هذه العلوم النظرية لربمى كفروه!! أتمنى أن ينشر الرد وأن يحذف هذا المقال الخادع

    ابراهيم يعلق:
    فبراير 27th, 2009 على 3:33 pm
    هل اصبحت السلفية تهمة ؟!

    يااخوان لانريد ان نقع في فخ التعميم فلسلفية علماء كثر سافرو وتغربوا من اجل العلم, وان بدا واحد منهم بتحريم او اي شي اخر فهذا لا يمت للسلفية على الخصوص

    ولا السلفية مشتقة من منهج السلف ولا اعتقد بان هناك من حرم السفر لغاية جليلة كالعلم والعمل فاي منهج سلفي تقول بانه يحرم ماقلت .
    وربما وقعتم ايضا في مطب بعض الواقع الحاصل الان ومنهج السلفية التنضيري الذي يريد الكاتب الصاقه هنا باابن نبي .
    اتفق مع الكاتب في ان اب نبي كان متاثر بالسلفيه بشكل واضح جدا ولا ارى في السلفية تهمة

    عبد الرحمن طيبي يعلق:
    مارس 31st, 2009 على 6:10 pm
    بعيدا عن الإفراط والتفريط، للباحث الموضوعي أن يصل بعد اجتهاد ودراسة أن سلفية المغرب العربي عموما تختلف مع سلفية المشرق فالمرتبطة أساسا بالبربهاري وابن تيمية، على خلاف سلفيتنا نحن في بلاد المغرب المرتبطة بالفاتحين وبأمثال التلمساني والمغيلي التي تعطي للعقل حقه وللنقل قدره، وعليه في تقديري وليعذرني صاحب المقال والقراء أن الحديث عن سلفية المرحوم مالك بن نبي في سياقات اللحظة وبمصطلحات إنسان التخلف وعصر ما بعد الموحدين تزلف وكسب لتأييد فئة بعيدة كل البعد عن النقل والعقل، والخمسين سنة الأخيرة أكبر فاضح لها، ولا داعي إذن لتبرير فكر مالك بن نبي التجديدي بسلفية القصور الفكري، المينية على إلغاء المقاصدية والآخر، والإغراق في البدوية على حد تعبير الإمام محمد الغزالي رحمة الله عليه

    أضف تعليقك

    إعجاب

  3. دراسة موجزة حول مفهوم القابلية للاستعمار (3)

    هذا مابقي من مراحعة مختصرة للمقالات التي تحدثت عن هذا الموضوع.

    احد عشر: مقالة القابلية للاستعمار للكاتبة مي كحالة (11)
    تقول الكاتبة في بداية المقالة: “ربما تحولت العاصمة التونسية، من غير أن تدري أو تريد، إلى نقطة النهاية بين عالم عربي قديم وآخر ينبثق من رغبة التغيير الذاتي التي تنضح بها الخطب العربية منذ تهديد الامريكيين لنا بتطبيق خطة “الشرق الوسط الأكبر”. فاما تكون القمة العربية المقبلة بداية النهاية لنصف قرن أهدر بحجة المواجهة مع العدو، أو تكون نهاية البداية لمشاريع الاصلاح المختلفة المعروضة عليها. وفي كلا الحالين، سيكتب التاريخ بأن العرب اتفقوا ذات اواخر آذار من العام 2004م على الخروج من غفوة طالت أو أنهم استفاقوا لبرهة لكنهم فضلوا العودة إلى النوم والاستمرار على حالهم. فاذا تبدلت الأوضاع العربية فعلاً كان للرئيس زين العابدين بن علي حظ التراجع عن رفض استضافة قمة خاف أن تؤول إلى خلاف معلن مع الامريكيين فيجني مجداً جاء بالصدفة، أما إذا صدر البيان إياه الذي يسحبه الأمين العام من جوارير الحفظ والأرشيف ليكرر المواقف المعلنة ألف مرة من دون السعي إلى تحقيق أي منها، استراح المضيف وأعاد بلاده إلى هدأة الشمس المشرقة على جحافل السياح. ”
    ولكن اين مفهوم القابلية للاستعمار؟ تتابع الكاتبة الشرح, فتقول: “أما القمة المقررة في نهاية الشهر الحالي في تونس فأمامها تحديات أخرى لا تقل خطورة عن انهاء الحال المأسوية للشعب الفلسطيني وأبرزها اصلاح الجامعة العربية واصلاح حال المشاركة الشعبية في القرار الوطني. فاذا تقاعست عن ارساء الحجر الأساس لهذا البناء الذي توقف تشييده منذ نصف قرن، صح فينا وصف استقاه الأمير سعود الفيصل من تحليل المفكر مالك بن نبي بأننا شعوب تمتلك “القابلية للاستعمار”، شارحاً بأن الأمة العربية “تتأثر سلباً” بمجمل التطورات الخارجية بحيث تصبح مجرد متلق لفعل الآخرين وسياساتهم واستراتيجيتهم”، وفق ما جاء في محاضرة ألقاها في مؤتمر الجنادرية الأخير. ويبدو أن توقيت الفطور الاستعماري حان بدليل أن الخطط الخارجية وضعت على نار قوية أوقدها الاحتلال الأمريكي للعراق، ونخشى أن تنضج الوجبة خارجياً قبل أن يتفق العرب في قمة تونس مثلاً، على استبدال القدر ولوازم الطعام المستورد بقدر وطنية وغذاء سياسي محلي، فهل نعتبر إقرار الأنظمة بضرورة “التغيير من الداخل” كمؤشر حقيقي لقبول فكرة التغيير بعد طول تأجيل، أم أنه تأجيل لكن بصيغة مختلفة؟”
    وتشرح الكاتبه وضع العرب بقولها: ” ….. فقد خرجت الدول العربية من الاستعمار إلى الاستقلال، واستقرت على حالها ولو مع بعض الانقلابات في الشكل وليس في الجوهر، مما يفسر الاستفاقة المباغتة على حقيقة أن العالم يدور حول نفسه فيما نحن مستمرون في نقطة واحدة لا تتحرك ولا تنقلنا إلى أي مكان. ويمكن القول ان الاستقلال يكاد يضيع في رتابة فكرية فرضتها مقولات سياسية تضع في أولوية أهدافها استقرار النظام واستقواءه وتأجيل الاستحقاقات، حتى إذا اصطدم العالم العربي بالقبضة الأمريكية وجد نفسه أمام عدو خارجي وخصم داخلي، هناك جيش يهدده وهنا شعب يطالبه. فكيف يواجه على جبهتين بعد طول استرخاء؟ …… ربما كان الاستقلال التغيير الأول في حال الدول العربية القائمة، لكن يجب أن لا يكون التغيير الوحيد. فقد انقضت عقود على شعارات القومية والوحدة العربية وبات من الملح الانتقال إلى مستلزمات العيش الكريم ورفع مستوى التعليم والمعرفة حتى لا تسبقنا الأمم إلى الحضارة التي كان العالم العربي أحد المنابع الأساسية لها. وأمام تهرب المجموعة العربية عن مواجهة تراكمات مابعد الاستقلال والامتناع عن اسقاط حرف من أدبيات الثورات، ”
    وتوضح الكاتبة تاثير التهديد الخارجي على هذه الدول بقولها: “…. جاء الهجوم الأمريكي على أنظمتها وأشكال الحكم فيها ليوحدها، كما لم تتمكن كل المحن السابقة من توحيدها. “
    ولكن اين المشكل؟ تجيب الكاتبة: “وفي هذا المجال يطرح السؤال الحقيقي: لماذا نخاف كلمة الديمقراطية ونحن من أنزل فيهم قوله تعالى {وأمرهم شورى بينهم} فهل نخاف الكلمة الأجنبية أم معناها الذي يضمر مشاركة الجميع في ابداء الرأي لا سيما حول ادارة شؤونهم الحياتية؟ وهل فقد العرب القدرة على الابداع السياسي حين توقفوا عن الاختراعات العلمية، وعن الاكتشافات الطبية والفلكية وفي ميادين الرياضيات والكيمياء والصيدلة؟ فالشورى هي الرد المثالي، والمحلي بامتياز، على مطالبة الغرب لنا بتوسيع دائرة المشاركة في القرار وهي من صلب الدين والدنيا، ولا تحتاج إلا إلى تطبيق يستند إلى خصوصية كل دولة ومزاج كل شعب. فاذا كانت الانتخابات في الغرب هي المقياس، فلكل دولة فيه أسسها المختلفة التي تراعي تنوع الشعوب وتطورها الطبيعي. ففي فرنسا قطع رأس الملك قبل قرنين تقريباً، بينما ظلت ملكة بريطانيا تنعم بموقع خاص وتشكل رمز الاستمرار من دون التدخل في السياسة اليومية. وإذا تطلع العرب إلى كل دولة اوروبية على حدة، لوجد أن لكل منها تراثا من “الشورى الشعبية” يختلف عن تراث الآخرين، لكنه يصب في المحصلة في مصلحة اخذ رأي المواطن وموافقته عبر صندوق الاقتراع. ليس بالاستفتاء على بند واحد أو على مسؤول معين، بل باختيار أحد برنامجين سياسيين، وايصال أحد حزبين مختلفين إلى سدة السلطة. وتنتهي المواجهة بين الخصوم السياسيين حين يحظى أحدهم برضا الجماهير بعد نقاش علني بينهم يفضح كل جوانب قوتهم أو ضعفهم، فيختار المواطن الرضوخ لما يعتبره الأفضل له أو لمستقبل الأجيال الصاعدة. ”
    وتطلب الكاتبة من العرب ان يعودوا الى الشورى الاسلامية, بقولها: “إن المفروض على قمة تونس في التوقيت الأمريكي الحالي أن تواجه التحدي الغربي لها بالعودة إلى ينابيع الحكم العربي لا بل الإسلامي المرتكز إلى الشورى. شرط أن تطبق الدول كافة روحية الكلمة وان تستلهم المفاهيم العميقة التي تضمرها، لا أن يكتفي صاحب السلطة بالاستماع إلى الحاشية أو إلى المقربين منه. فالعرب يواجهون اليوم ضيق الوقت بين استنباط نظام عصري يتلاقى وروح الانفتاح المفروض بفعل العولمة الثقافية والإعلامية والحضارية والاقتصادية، وبين منطق الفرض الأمريكي الذي بدأ يستقطب التأييد الغربي لأن رد الفعل العربي لايزال حائراً أو رافضاً التغيير كلياً. وينذر المشروع الأمريكي بالتحول إلى استعمار جديد أو في الأقل، هذا ما تتمنى الأنظمة العربية تصويره لشعوبها على الرغم من يقينها بأن الناس في ضيق من اقصائها عن الحق بابداء رأيها. والقادة العرب لا يمكنهم المواجهة في الوقت الحاضر إلا إذا اتفقوا على اتخاذ القرار الشجاع والاقرار بأن عهود التأجيل انقضت إلى غير رجعة وبأن رأي الناس هو الذي يضيف إلى قوتهم وليس صمتهم أو فرض السكوت عليهم. لقد آن لنا أن نشبع من سياستنا الخاصة بدلاً من ابقاء “القابلية للاستعمار” وجبتنا السرية.”
    وتشير الكاتبة الى ان هذا التغيير يجب ان يقوم به الحكام العرب قبل ان تاتي الطامة الكبرى: ” حتى إذا حطت الجيوش فوق أرض – مثل العراق – تغاضى الشعب عن المواجهة لأن الحلم بالتغيير بات حكراً على قرار خارجي لا يأخذ رأي المحليين، تماماً كما فعل قبلهم الحاكم بأمره الذي اختبأ ظناً منه بأن قومية الشعب هي الدرع الكافية لرد العدوان. فخسر الحكم والشعب في آن، من دون أن يربح الشعب الحكم الذي ذهب إلى أيدي المحتلين. انه وقت العمل، أو كما قال وزير الخارجية اللبناني في اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة: “انه وقت تغليب الالتزام على الكلام”. لكن الالتزام بالتغيير، لا مجرد الكلام عنه أو الوعد به، أو التمسك بالأساليب الماضية حتى لا نقول البائدة في اتخاذ القرار بالنيابة عن الشعوب وفرضها بالقوة وليس الاقناع. فهل تشهد القمة العربية في تونس بداية النهاية للنظام العربي الجماعي القديم وتتقدم ولو خطوة أولى على طريق الألف ميل إلى الاصلاح والتغيير؟ انها المناسبة الوحيدة هذا العام لبلورة المشروع العربي الجامع، قبل أن يجتاح نمط التغيير الأمريكي كل البناء القائم، فيهدم قبل أن يرسم خرائط البناء البديل.”———————————————————————————————–
    الثاني عشر: مقالة القابلية للاستعمار للكاتب د. محمد صادق
    يبدا الكاتب المقالة بقوله: “إن مأساة الأمة تكمن في أنها تعاني هزيمةً حضاريةً، وأن كل ما على الساحة إن هو إلا إفراز لهذه الهزيمة، والحملة الصليبية على الإسلام ممتدة، فمنشور “نابليون” حينما دخل مصر هو نفسه خطاب “بوش” حينما أعلنها حربًا صليبيةً على الإسلام قبل احتلال العراق، زاعمًا أن هدف أمريكا هو تحرير العراق من الديكتاتورية، والعمل على تطويره.”

    يشرح الكاتب دور القابلية للاستعماربما يلي: ” ونابليون حينما دخل مصر أعلن أنه يهدف إلى نشر التعليم، وجاء بالمطابع التي أخذ يكتب بها المنشورات التي تروِّج لأفكاره وأهداف حملته، وكان أول أهدافه فصل مصر عن دولة الخلافة، ففصلُ مصر يمزِّق كيان المنطقة العربية، ومن ثَمَّ الخلافة، وهذا ما أتمَّه الإنجليز عن طريق جاسوسها “لورنس” ضابط المخابرات الشاذ، ومن يدرس سرّ الظاهرة الاستعمارية خلال مائتي عام مضت يرَ أن أخطر ما تمر به الأمة هو (القابلية للاستعمار) كما ذكر مالك بن نبي؛ فالشعور بالدُّونِيَّة، والانبهار بحضارة الغرب، ثم التبعية المهينة ثم الذوبان، فتختفي معالم الذات الإسلامية، وتُطمس الهوية، ومع الزمن تنمحي تمامًا.”

    ويبين الكاتب ان الحل هو: ” لذلك عمل القرآن الكريم على الحفاظ على الهوية ﴿.. قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَل لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (138) إِنَّ هَؤُلاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (139) قَالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَهًا وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (140) وَإِذْ أَنجَيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (141)﴾ (الأعراف).. إن الآيات تعيد بناء الذاكرة لدى بني إسرائيل إبَّان إيمانهم.. هؤلاء الذين يريدون اتباعهم في عبادة العجل ما هم إلا قاتلو أبنائهم ومستحيو نسائهم؛ فاستدعاء الأحداث بجزئياتها يُعيد بناء جدار بين المقهور وقاهرِه؛ فلا يذوب فيه وتَنمحي معالمه. إن اتخاذ العدو عدوًّا أهمُّ مراحل الحفاظ على الهوية واستقلاليتها، ومن ثم المواجهة ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا﴾ (فاطر: من الآية 6)، والأمة الآن أشدّ ما تكون بحاجة إلى إعادة بناء الفرد من جديد، والاهتمام بالثوابت، والحفاظ على الهوية في شتى المناحي والأشكال؛ فالإنسان أساس أي تنمية، بعدما أُهْدِرَتْ قيمته فضاع ولاؤه.”

    والنصيحة التي يقدمها الكاتب هي: “والترويج للاستعمار لا يصبُّ في صالح الأمة، بل يكرِّس للانهزامية، ويهيِّئ للاحتلال الذي لا يسعى إلا لمصالحه، واستنزاف موارد وخيرات الأمة كلها، ومعاداة كل من يدعو إلى التحرير أو المقاومة فيَسِمُونه بالإرهاب والتطرف. وعلى الشعوب أن تتمسك بمُقَوِّماتها وتعمل على استردادها؛ فأخطر ما تعانيه شعوب الأمة هو الرضوخ للاستبداد؛ أيًّا كان نوعه ومصدره. إن الاستبداد يقتل الولاء ويُذْهِبُ الاستقلال عن الشخصية ويجعلها تدور في محاور مفرغة، كما أن الأجواء المحيطة بالأمة من وهْمٍ وتبعيةٍ وتشرذمٍ؛ تجعل الخطاب المُوَجَّهَ للآخر لا يعبر عن حقيقة الأمة، ولا ينطلق من آفاقها الرحيبة، فيكون هذا الخطاب مقيّدًا بهذه الأجواء، خاضعًا للعوامل السياسية المهينة التي فرضها المستبدُّون، ومن ثَمََّ فأي خطاب رسمي أو ما شابهه لا يعبر تعبيرًا صادقًا عن طبيعة هذه الأمة التي جعل الله في دينها العزة والحرية ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾ (المنافقون: من الآية 8).
    ————————————————————————————————-
    الثالث عشر: مقالة بعنوان الشعب الجزائري: هل له قابلية للاستعمار؟؟ للكاتب العيد دوان
    يقول الكاتب: “القابلية للاستعمار مصطلح كثيرا ما وظفه العالم الجزائري مالك نبي رحمه الله وشيد على أساسه نظرية يصعب ردها، إذ دعمها بأفكار يستحيل إنكارها. غير أن الذي لم يفهمه الكثير من الدارسين أن هذه القابلية ليست حتمية يستحيل التخلض منها. بدليل أنه ينفيها عن نفسه. فعندما أقر أن الشعوب الإفريقية الأسيوية لها قابلية للاستعمار، كان يشير إلى ما توفر لديها من استعدادات هيأتها لذلك، وأطمعت المستعمر الذي عمل على تكريس هذه الحالة ليسهل احتلالها والسيطرة عليها.”

    ويشرح الكاتب فهم بن نبي لهذا المفهوم بقوله: “فابن نبي يرى إن القابلية للاستعمار مسبوقة بعدة عوامل جعلن الأفراد تسودهم مشاعر السلبية والاستسلام والخضوع لمفاهيم، إما السهولة في التعامل مع القضايا أو الاستحالة في النظر إلى حلولها. والناس في هذه المرحلة لم يتعذر لديهم التدين ولكن تدينهم فردي، وبالتالي فإنهم يفتقدون التماسك الاجتماعي مكونين أرضاً خصبة تشجع المستعمر وتغريه.. فالقابلية للاستعمار هي التي تستدعيه وتمكن له.”

    ولكن ماسباب هذه الظاهرة؟ يقول الكاتب: “فالتدهور والفساد الروحي، هو الذي يجلب على نفسه عوامل الانهيار التي يجلبها عليه غزو خارجي تماماً كالمنتحر الذي اعتدى عليه خصم له، عقب شروعه في الانتحار، فجاءت وفاته نتيجة ما أصاب به نفسه لا ما أصابه من خصمه، إن أقصى ما يفعله الغزو الخارجي هو توجيه ضربة قاضية إلى مجتمع يلفظ أنفاسه الأخيرة” وهذا كلام أحد الدارسين نقلته بتصرف طفيف.”

    ويبين الكاتب: “جاء في كتاب (العبودية المختارة) للكاتب (إتيين دي لا بواسيه) عام 1562، إن أثينا أرسلت رسولين إلى فارس، فلما دخلوا الحدود استقبلهم الوالي هناك فأطعمهم وأكرمهم، ثم قال لهم: لماذا لا تتحولون إلى عبيد سيدي الشاهنشاه. نظر الرجلان بتعجب لعرض الفارسي الذي قدمه بكل حرص وسخاء. وقالا له: إنك لم تذق طعم الحرية بعد. ولو ذقتها لقاتلت عنها بأظافرك وأسنانك. وكل شرح لشيء لم تذقه لا يقربك من المسألة إلا بعدا عنها. وهذه اللقطة إنما توضح سيكولوجيا الاستعمار والمستعمر معا وتشرح لنا استعباد طاغية بغداد لأهل بغداد وإذلال أهل المغرب للمغاربة وهلم جر والذين يسميهم مالك بن نبي أناس ما بعد الموحدين، أي ما بعد الانحطاط. والقابلية للاستعمار مرض عام كما ينعته أحد الباحثين ويتخلل كل المستويات والطبقات الاجتماعية والجنس والعمر.”

    ويشرح الكاتب هذه الظاهرة بقوله: “ وهنا لا بد أن أسوق شرحا بارعا للظاهرة: “يظهر ذلك بين الموظف والمراجع، والمرأة والرجل، والطفل والأستاذ. ومنظر الشرطي وهو يصفر لقائد السيارة وكيفية اقترابه منه في مشية الغوريلا مباعداً بين رجليه رافعاً بطنه للأمام ورقبته للخلف وقائد السيارة المضطرب الممتقع الذي يتزلف بالكلمات والرشوة والحلف بأغلظ الأيمان يفتح عيوننا على الواقع الاستعماري اليومي.”

    ويبين الكاتب كيقية التخلص من هذه الظاهرة بقوله: ” القابلية للاستعمار عند الشعوب كما سبق لي أن قلت ليس حتميا. فهو يشبه القابلية للكسر في الزجاج. فقد رسخ في عقول البشر أن الزجاج من خصائصه الانكسار ولكن صناعيا، أمكن تصنيع زجاج غير قابل للكسر بتغيير المواد الأساسية بطرق صناعية. فكذلك المجتمع قد يكون قابلا للاستعمار ويمكن، عن طريق التربية، أن نوفر لديه ما به يرفض الاستعمار، وليس شرطا أن ينكسر. ومما لا بد منه في هذا السياق العمل على تحرير الوعي وإرجاع الإنسان من الموت إلى الحياة. جاء في القرآن الكريم: « أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها “.

    ويختم الكاتب الموضوع بقوله: “يروى عن حسني الزعيم، أحد طغاة سورية، أن وفدا من أعيان دمشق أراد زيارته لمراجعته في بعض الأمور، فدخلوا عليه وهو يصيح في التلفون: “إذا لم يمتثل للأمر فقوموا بإعدامه فورا. ثم التفت إليهم وقد ابيضت وجوههم من الخوف. وقال: أهلا وسهلا وألف ألف مرحبا، ماذا أستطيع أن أفعل لكم؟ قالوا: عفوا، نحن جئنا لنبارك لك العهد الميمون ونتشرف بلقاء شخصك العظيم. قال لهم: شكرا لكم ارجعوا إلى قومكم راشدين. ثم التفت لمن حوله بعد انصرافهم وهو يضحك ملء شدقيه: شعب مثل هذا يناسبه حاكم مثلي.”
    ولكن لماذا لم تفهم افكار مالك بهذه البساطة؟ يقول الكاتب: “ومشكلة مالك بن بني رحمه الله أنه لم يتمكن من الإفهام لسببين: أولهما إنه كان يخاطب الناس بلغة غير لغتهم فترجمت أفكاره خطأ. ثانيهما إنه جاء متقدما على زمان المجتمعات الإسلامية. وظاهرة القابلية المنتشرة في مرحلة التخلف الحضاري بسبب ما عندنا من مشاعر الانهزامية والتبعية ولغة التخاذل التي أصبحت تتخلل خطابنا على العموم.”
    —————————————————————————————————-
    اكتفي الان بهذا القدر من العرض الموجز لهذه المقالات على ان اتابع الدراسة لهذا الموضوع, مع المقارنة مع افكار مالك, في الجزء الرابع.

    وللحديث تتمة
    احمد عصمت بربور
    العين في 26-04-2009
    ————————————————————————————————-
    المراجع:

    (11) القابلية للاستعمار
    http://www.alriyadh.com/2004/03/07/article16529.html
    مي كحالة

    (12) القابلية للاستعمار
    http://www.arabicdream.com/forums/index.php?s=4acccd5b18ca9bafcd4fbe4741ffa6ef&showtopic=47360&pid=302345&st=0&#entry302345
    بقلم: د. محمد صادق

    (13) الشعب الجزائري: هل له قابلية للاستعمار؟؟ للكاتب العيد دوان
    http://laid-hizer-net.blogs.nouvelobs.com/archive/2008/10/08/%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B9%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%B2%D8%A7%D8%A6%D8%B1%D9%8A-%D9%87%D9%84-%D9%84%D9%87-%D9%82%D8%A7%D8%A8%D9%84%D9%8A%D8%A9-%D9%84%D9%84%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D8%B9%D9%85%D8%A7%D8%B1%D8%9F%D8%9F.html

    إعجاب

  4. اعزائي
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    هذه هي المقالة الاخيرة حول افكار
    2_مالك بن نبي والقابلية للاستعمار
    وذالك لمتابعة المقارنة مع المقالات الت نشرت حول هذا الموضوع من قبل الكتاب العرب على الصفحة الاليكترونية
    وهكذا بقي موضوع “القابلية للاستبداد” وذالك لمقارنته مع
    “القابلية للاستعمار”
    وسوف اقوم يتلخيص بعض الافكار الواردة في هذا الموضوع ايضا
    الرجاء ارسال ملاحظاتكم وتعليقاتكم
    وشكرا
    احمد

    مالك بن نبي والقابلية للاستعمار (2)
    كما شرحها في كتابه: شروط النهضة
    لابد ان مالك قد شعر بالنقص في تناوله لموضوع الاستعمار والقابلية للاستعمار, فافرد فصلين كاملين في نهاية كتابه شروط النهضه لتوضيحهما وهما:
    المعامل الاستعماري (ص 145-151), والذي جاء فيه:
    ” لاشك ان بحثنا سوف يكون معرضا للانتقاد محق اذا نحن تغافلنا عن تاثير المعامل الاستعماري واتصاله بنهضة البلاد العربية والاسلامية اتصالا وثيقا, غير انه يجب ان نتحدث عن هذا المعامل من ناحيته الفنية. …ومن هنا تبدا قضية الاستعمار تهمنا, حيث انه يفرض على حياة الفرد عاملا سلبيا نسميه بالمصطلح الرياضي المعامل (Coefficient ) الاستعماري, ولذالك المعامل تاريخه في سياسة الاستعمار. فقد كان القائد الفرنسي بوجو – وهو في عهد الاحتلال الصورة المقابلة لصورة عبد القادر – اول فرنسي ادرك حقيقة الشعب الجزائري وماينطوي عليه من عبقرية فذه ادراكا وضع بمقتضاه الطريقة المناسبة لاستقرار الاستعمار. ….. قد اصبحت اليوم هي الموحية لسياسة التهديم في جوهر الفرد الجزائري ومحو عبقريته. … ولقد راينا هذا المعامل يؤثر في حياة الفرد في جميع اطوارها, …وهو طفل, …..واذا فقد الاب, …., فاذا ماكتبت له النجاة من كل هذه النكبات وهيئت له الاسباب لان يجد مقعدا في مدرسة, ….. واذا مابلغ مبلغ الرجال, ….نعم هناك واقع استعماري, هو ذالك المعامل الاستعماري.”

    ويقول موضحا الوجهة التاريخية للاستعمار: “والاستعمار يعتبر من الوجهة التاريخية نكسة في التاريخ الانساني, لاننا اذا بحثنا عنه فسنجد اصوله تعود الى روما, حيث وضعت المدنية الرومانية طابعها الاستعماري في سجل التاريخ. وقد اعقبها العهد الاسلامي الذي كان في الواقع تجربة من نوع جديد في تاريخ علاقات الشعوب. فنحن لانرى الحكم الاسلامي قد استعمر بما في هذه الكلمة من معنى مادي منحط, بل كان فتحه للبلاد, كجنوب فرنسا واسبانيا وافريقيا الشمالية, لالاستغلالها ولكن لضمها للحضارة الاسلامية في الشام او العراق. وليس لاحد ان ينكر هذه الحقيقة محتجا بان انعدام التفرقة السياسية انما يعود الى ان شعوبه كانت متوحدة في الدين, فان الواقع التاريخي يشهد, واقباط مصر وبهودها يشهدون, بان الاسلام لم يكن يعم البلاد كدين, بل كحضارة.”

    ويتابع مالك القول عن فائدة الاسنعمار: “ولنتامل … مالذي بعث العالم الاسلامي من نومه قرنا؟ من الذي ايقظه من خمسين سنة تقريبا؟ من الذي قال له قم؟ انه الاستعمار. نعم انه قد خلع علينا بابنا, وزعزع دارنا, وسلب منا اشياء ثمينة. لقد اخذ من حريتنا وسيادتنا وكرامتنا وكتبنا المنسية وجواهر عروشنا وارائكها الناعمة التي كنا نود ان لو بقينا عليها نائمين!”

    ويقول مستنتجا: “واخيرا فان المعامل الاستعماري في الواقع يخدع الضعفاء, ويخلق في نفوسهم رهبة ووهما, ويشلهم عن مواجهته بكل قوة. وان هذا الوهم ليتعدى اثره الى المستعمرين انفسهم فيغريهم بالشعوب الضعيفة, ويزين لهم احتلالهم اذ يحاولون اطفاء نور النهار على الشعوب المتيقظة, ويدقون ساعات الليل عند غرة الفجر, وفي منتصف النهار, لترجع تلك الشعوب الى العبودية والنوم.”

    اما معامل القابلية للاستعمار فيوضحه بقوله (ص 152- 155):
    “نحن, في هذا الفصل , نريد ان نتعرض لمعامل اخر ينبعث من باطن الفرد الذي يقبل على نفسه تلك الصبغة والسير في تلك الحدود الضيقة التي رسمها الاستعمار, وحدد له فيها حركاته وافكاره وحياته. …. ان المستعمر يريد منا بطالة ….. ويريد منا جهلة يستغلهم ….. ويريد منا انحطاطا في الاخلاق كي تشيع الرذيلة بيننا ….. ويريد منا ان نكون افرادا تغمرهم الوساخة ….. “

    ويتحدث مالك عن تجربة اليهود في الجزائر فيقول: “وربما لم نكن لنفقه لهذا الداء الباطني معناه الاجتماعي, لولا ان الفئة اليهودية في الجزائر قد لقتنا درسا مفيدا…..وهكذا اتيح لليهود ان يجتازوا ساعات الخطر ساعين منتصرين رغم ماكانوا يعانون من معوقات خارجية سلطت على حياتهم في كل جزئياتها. ولقد كان نجاحهم منطقيا, فان انفسهم لم تكن معلولة من باطنها, ولم يكن من معوق داخلي يمسكهم عن التقدم, ويحط من قيمة انفسهم بانفسهم. واننا لنجد في نجاحهم المثل لانتصار الفرد على البيئة, مهما كانت ظروف حياته, وان لنا في ذالك درسا يعلمنا كيف يتعلم الاطفال بلامدارس مفتوحة, وكيف تنشط حياة قوم تحت الضغط والمراقبة. وهكذا يؤدي القيام بالواجبات الى كسب الحقوق. ”

    ماهي مشكلتنا اذا؟ يجيب مالك: “ان القضية عندنا منوطة اولا بتخلصنا مما يستغله الاستعمار في انفسنا من استعداد لخدمته, من حيث نشعر اولا نشعر. ومادام له سلطة خفية على توجيه الطاقة الاجتماعية عندنا, وتبديدها وتشتيتها على ايدينا, فلا رجاء في استقلال, ولاامل في حرية, مهما كانت الاوضاع السياسية. وقد قال احد المصلحين: اخرجوا المستعمر من ابفسكم يخرج من ارضكم. ان الاستعمار لايتصرف في طاقتنا الاجتماعية الا لانه درس اوضاعنا النفسية دراسة عميقه, وادرك منها مواطن الضعف, فسخرنا لما يريد, كصواريخ موجهة, يصيب بها من يشاء. فنحن لانتصور الى أي حد يحتال لكي يجعل منا ابواقا يتحدث فيها, واقلاما يكتب بها, انه يسخرنا واقلامنا لاغراضه, يسخرنا له, بعلمه وجهلنا. والحق اننا لم ندرس بعد الاستعمار دراسة علمية, كما درسنا هو, حتى اصبح يتصرف في بعض مواقفنا الوطنية, وحتى الدينية, من حيث نشعر او لانشعر. اننا امام قضية خطيرة وجديرة بدراسة خاصة, ولسوف ندرسها يوما ما ان شاء الله.”

    وهكذا يتهي مالك دراسته حول الاستعمار والقابلية للاستعمار في كتابه شروط النهضه. ولقد حاولت متابعة موضوع الاستعمار والقابلية للاستعمار في كتاب مالك المهم: فكرة الافريقية الاسيوية في ضوء مؤتمر باندونخ, ترجمة عبد الصبور شاهين, الناشر دار الفكر بدمشق, 1981 والذي ظهر في عام 1957 (الطبعة الاولى), وبعد كتاب “شروط النهضه” لمالك بن نبي, تحدث فيه عن الاستعمار والقابلية للاستعمار بشكل مختلف عما بينه في كتابه الاول: شروط النهضه.

    وسانقل اليكم مقتطفات مماكتبه مالك بن نبي عن هذا الموضوع بدون تغيير.

    يقول مالك في تمهيد الكتاب (ص 21), بان الاستعمار والقابلية للاستعمار هما نتاج عقلية العصور الوسطى الغربية: “لقد جند الغرب في الحرب العالمية الاخيرة كل قواه المادية, ولكن الشعوب الاخرى كانت قد علقت على تلك الحرب امالها, تلك التي كان لها ان تختلط باهداف الحرب بين المتخاصمين. فلم يعد السلام على هذا مجرد “سلام اوربي, كالذي قرره مؤتمر فرساي, اثر الحرب العالمية الاولى. فقد تغيرت النفسية العالمية, والعبقرية الغربية قد ساهمت بنفسها في التغيير حين وضعت الانسانية امام استحالة جديدة لبلوغ اهدافها. فلم يعد من الممكن ان يحكم العالم بمنطق علم حديث يوجه الانسان في العصر الذري, وبعقلية العصور الوسطى – التي ترى ان تبقيه في اوضاع خاصة, هي التي خلقت الاستعمار والقابلية للاستعمار.”

    ويتابع مالك في الجزء الاول, ابناء المستعمرات الافرسيوية وعالم الكبار (ص 30), قوله: ” وهكذا لعب القدر دوره, فاذا بالعالم المستعمر نصفه والمتحضر نصفه الاخر, العالم الذي خطا فيه جيلنا خطواته الاولى, وحققت فيه الطائرة محاولاتها الاولى, العالم الذي كان فيه الاستعمار والقابلية للاسنعمار بمثابة الشاشة التي تتتابع عليها احداثه مثل حادثة فاشودة او حادثة اغادير, هذا العالم الذي كان يؤمن بانقسامه الجغرافي السياسي, كانه هو وضعه الطبيعي, كانه فصل بين فصيلتين من فصائل الحيوان: اذا بهذا العالم لم يعد له وجود.”

    ولكن كيف تبخر الاستعمار والقابلية للاستعمار هكذا فجاة؟

    يقول مالك في الفصل الثاني التعايش او الوجود المشترك والاستعمار المشترك: “لقد بدا حوار جديد في التاريخ, حوار لم يكن المتحدث الى القوة فيه قوة اخرى من نوعها, تجر العالم الى الحرب طبقا لسياسة “حافة الهاوية” (سياسة دلاس) بل هو نوع جديد, ليس المتكلم فيه مسلحا بقنابل ذرية, بل بقوانين جديدة اخلاقية وسياسية, برهن غاندي على صلاحيتها وتاثيرها. وكان من نتائج هذا الحوار الاولي غير المتوقعة اعادة بناء الازدواج الجغرافي السياسي بطريقة غير مباشرة. ولكن في غير الوضع الذي ورثه العالم عن اوضاع القرن التاسع عشر. بحيث يعيد بناءه طبقا لخطة جديدة, في ضوء تفسير جديد. فالحضارة لم يعد محدثها شعوب مستعمرة وقفا على الاستعمار والقابلية للاستعمار, بل انها شعوب انتصرت على تلك العبودية المزدوجة, شعوب لم تعد ترضى بان تستخدم فقط كقاعدة لتمثال التاريخ. بل بالعكس يريد ابناؤها ان يكونوا فنانيه وملهميه.”

    ويعود مالك لتوضيح فكرته في الفصل الثالث مشكلة الرجل الافرسيوي, فيقول على لسان الرجل الافتراضي الذي زار الارض من كوكب اخر (ص 76): “…. والواقع انه ايا كانت معادلته الشخصية, فان حظه مرتبط مقدما بالقانون العام لحتمية تنتج عن انتسابه “لوحدة” تسيطر عليها مجموعة من العوامل السلبية, هذه العوامل السلبية هي: عوامل الاستعمار وعوامل القابلية للاستعمار, وهي العوامل التي يرى المكتشف طابعها في المنظر الانساني, وفي النموذج الاجتماعي الذي يتحرك فيه. فهو يدرك في كل حال ان حظ الانسان مرتبط بوضع عام , قابل للتغيير تبعا للمكان والزمان. ….. وعليه فكل تفكير في مشكلة الانسان هو في النهاية تفكير في مشكلة الحضارة, ومشكلة الانسان الافرسيوي هي في جوهرها مشكلة حضارة, يعني ان يحقق هذا الافرسيوي من طنجة الى جاكرتا وضعا عاما متحررا من العوامل السلبية التي فرضها الاستعمار والقابلية للاستعمارعلى حياته في هذه المنطقة. والحق ان الحركات المختلفة للنهضه التي ظهرت منذ خمسون عاما في العالم الافرسيوي بعامة, وفي العالم الاسلامي بخاصة, ليست الامحاولات لوضع المشكلة ضمنا, وحلها في هذه الصورة.”
    وسوف تكون لنا وقفة اخرى مع كتاب مالك: الصراع الفكري في البلاد المستعمرة. وتضيف هذه الكتابات بعدا جديدا لمفهوم مالك حول فكرة “القابلية للاستعمار” وذالك لمقارنتها مع كتاباته الاخرى وماكتبه ابناء الامة العربية والاسلامية حول هذا الموضوع بعد 60 عاما.

    وللحديث تتمة
    احمد عصمت بربور
    العين في 28-04-2009

    إعجاب

  5. الصديق الدكتور أحمد عصمت بربور
    تحية الحياة وبعد
    كنت وما أزال انتظر انتهاء ملف مالك لاعقب عليه
    وسوف أقدم -هنا- مداخلة مختصره علها تلفت نظر القراء الكرام
    أولا هل تستطيع وانت تقرأ فقرات ل وعن مالك وقابلية الاستعمار أن لاتتساءل فيما إذا كان مايطتبه هو مجرد دردشة لاتلزم احدا بشيئ؟؟ بل ولاتلزم “مالك “نفسه بشيئ؟
    وكما يقول ملك نفسه في ماوضعته له في المداخلة الأخيرة “ولكن كيف تبخر الاستعمار والقابلية للاستعمار هكذا فجاة؟ “

    وكان حريا به توجيه السؤال نفسه عن سبب ظهور الاستعمار واشكاله ..
    وهو للأسف غير مختص بعلم الاجتماع وإلا لكان عليه على الأقل ان يتذكر ماعرضه ابن خلون قبل قرون عن نشوء وانحلال الدول
    ولكان عليه على الاقل ان يسنفيد من وضعه كميكانيكي ان يعرف علاقة توازن القوى الفيزيائي وليس النفسي او الثقافي؟؟
    عندما تنته ايها الصديق بل وقبل ذلك ارجو ان تجيب عن سؤال هام وهو في اي مربع تضع مصالح مالك ؟
    في الرقم الحيوي # 4 حيث الشكل الكلي البداهة والصواب والعدل وغير المناف لبرهان والمقبول من عامة الناس ام في المربع الحيوي رقم #3 اي الشكل الجزئي البداهة .. لكونه غير مرفوض من عامة الناس و قابل للبرهنة وغير المستحيل البرهنة
    أو في المربع الحيوي رقم #2 اأي الشكل الجوهراني الكلي المريض البداهة لكونه ضد البرهان وظالم وظلامي ومزدوج المعايير ؟؟
    أو على الاقل في رقم #1 أي الشكل الجوهراني الجزئي المعتل البداهة لكونه ينافي البرهان أو مستحيل البرهان ولكنه لايعممه بازدواجية معايير

    ولتقريب السؤال لاحظ هذا المقطع وامثاله:

    ويقول موضحا الوجهة التاريخية للاستعمار: “والاستعمار يعتبر من الوجهة التاريخية نكسة في التاريخ الانساني, لاننا اذا بحثنا عنه فسنجد اصوله تعود الى روما, حيث وضعت المدنية الرومانية طابعها الاستعماري في سجل التاريخ. وقد اعقبها العهد الاسلامي الذي كان في الواقع تجربة من نوع جديد في تاريخ علاقات الشعوب. فنحن لانرى الحكم الاسلامي قد استعمر بما في هذه الكلمة من معنى مادي منحط, بل كان فتحه للبلاد, كجنوب فرنسا واسبانيا وافريقيا الشمالية, لالاستغلالها ولكن لضمها للحضارة الاسلامية في الشام او العراق. وليس لاحد ان ينكر هذه الحقيقة محتجا بان انعدام التفرقة السياسية انما يعود الى ان شعوبه كانت متوحدة في الدين, فان الواقع التاريخي يشهد, واقباط مصر وبهودها يشهدون, بان الاسلام لم يكن يعم البلاد كدين, بل كحضارة.”

    هذا مقطع واحد .
    أما المقاطع التي لايعبر فيها عن اي فهم لمنظومات التاريخ وفق منطق الجوهر ومصالحه .. فتلك نعذره عليها ؟؟ لكونها لم يتعرف أعمال مدرسة دمشق المنطق الحيوي
    وفي الجظائر المئات او على الاقل العشرات ممن يعرفونه ويستطيعون تجاز ملك .. ولكن ماينقصهم ليس القابلية بل القوة
    والقوة نفسها هي التي فرضت محمد العزالي لقود الجزائر الى الحرب الاهاية
    زالقوة وحدها هي التي اخرجت بالقون رائق من مواجهة الغزالي ووضعته في طائرة الى خارج الجزائر
    ترى اية قوة ستمنع المنطق الحيوي من البزوغ؟؟
    إنها قوة المصالح وليس قابليتها
    فمصالح قوى الهيمة الدولية والمحلية ماتزال تسترزق مخلفات منطق الجوهر.. ولكن الى حين
    شكرا مرة أخرى إلى الصديق أحمد راجيا ان بكرر محاولته الجادة رقم 3 لتفهم المنطق الحيوي من خلال نقد مالك..

    مارأيكم دام فضلكم

    إعجاب

  6. دراسة موجزة حول مفهوم القابلية للاستبداد (1)

    بعد الدراسة الموجزة لموضوع القابلية للاستعمار, قمت بمحاولة معرفة مدى اهتمام العرب بمفهوم “القابلية للاستبداد” وذالك عن طريق البحث في الشبكة الاليكترونية عن هذا الموضوع, فحصلت على مايلي:
    —————————————————————————————–
    النتائج من 1 إلى 10 من حوالي 5,850 عن القابلية للاستبداد. ( الوقت المستغرق 0.33 )
    ——————————————————————————————
    وهذا العدد اقل بكثير جدا من العدد السابق الذي استخلص من الشبكة حول المقالات التي تحدثت عن مفهوم القابلية للاستعمار(72,100). فهل هناك علاقة بين المفهومين؟ وهل حاول احد دراسة هذه العلاقة؟ وماهي القواعد التي اعتمدت لاستخلاص هذا المفهوم الجديد؟ ولذالك سوف اختار مجموعة من المقالات لعلرضها ومعرفة مدى ارتباطها بمفهوم مالك حول القابلية للاستعمار, او ارتباطها بمفاهيم اخرى.

    اولا: مقالة القابلية للاستبداد ..وصوت اللاء بقلم عمر الكندي (1)

    يقول الكاتب في بداية مقالته: “كيف يمكن ان يستبد الحاكم بشعبه إلا وعندهم بيئة ملائمة لأن يُستعبدوا , كما حكى الله عن فرعون وقومه فقال تعالى: (فاستخف قومه فأطاعوه). على غرار مصطلح القابلية للاستعمار والذي طرحه مالك بن نبي في 1948 م في كتابه شروط النهضة الجزائرية ، فالمحتل الذي يحتل أرضا ويسيطر على ترابها فأنه مع مرور الزمن يبقى غازيا ومحتل لفرد قابل للاستعمار ، أقول على غرار هذا المصطلح تكوّن لدي مفهوم القابلية للاستبداد , إذ لايمكن أن يستبد الحاكم إلا اذا وجد قابلية عند الشعب للاستبداد ..ومظاهر القبول متعددة …أحدها أن يسكت وجهاء الشعب وعلمائه ومثقفيه عن ظلمه واستبداده …أو يتعدى الأمر السكوت فيكون التطبيل والتمجيد كما يصف الكواكبي في طبائع الاستبداد و مصارع الاستعباد (أن المستبد يتخذ الممجدين سماسرة لتغرير الأمة باسم خدمة الدين أو حب الوطن أو تحصيل منافع عامة).”
    ويتابع الكاتب شرحه للمفهوم الجديد فيقول: “والسكوت فضلا عن التطبيل للمستبد من قبل وجاهات وعلماء وصحفيين وغيرهم ممن يتحدثون باسم المجتمع ..يجعل من أرضية قبول الاستبداد في نفوس الناس مساحة واسعة ..تتسع بمقدار السكوت أو التطبيل وتضيق بفعل العكس..وفي هذا يقول الكواكبي ( المستبد عدو الحق , عدو الحرية و قاتلها , و الحق أبو البشر و الحرية أمهم , و العوام صبية أيتام نيام لا يعلمون شيئا , والعلماء هم إخوتهم الراشدون , أن أيقظوهم هبوا و إن دعوهم لبوا و إلا فيتصل نومهم بالموت).”

    ويصف الكاتب حالة واحدة وهي: “وقد تعجبت من ردود الفعل تجاه توقيف خدمة رسائل بلاقيود وناس برس ,فبقدر الزخم المعارض والرافض لهذا الاستبداد ..يبقى من يتبرر ويتلمس الاعذار لهذا الاستبداد حتى من صحفيين عنونوا اعتراضاتهم بتيرير مبطن ..في ظاهره الاعتراض في باطنه التبرير.. في حركة قديمة تسمى مسك العصا من الوسط . ولِما ..هل وصل بنا الحال أن نبرر الاستبداد على حساب حقوقنا ومكتسباتنا …كي يقال هذا حيادي ..وهذا منصف ..وهذا الصنف في واقع الأمر هو من يعمق لدى الناس القابلية للاستبداد .”وتحدث الكاتب عن المستبد بقوله: “ولان المستبد عدو الحرية فهو لايكل ولا يمل في التخطيط للنيل من حرية قوم اكتسبوها بنضالهم ولم تهب لهم كهدية , فهو كوحش كاسر لا يريد لأحد الوقوف في طريقه .
    ولا أخال هذا المنع للناس برس وبلاقيود وحجب مواقع بعض الصحف الإلكترونية وآخرها موقعي الاشتراكي نت والشورى , إلا رسالة لجس نبض قابلية الناس للاستبداد والذي أنعكس في رسالة مضادة _كان أهمها الاعتصامات والمظاهرات والعزيمة على رفض الاستبداد_ أذهلت المستبد فأطلق بعض أبواقه وممجديه ممن يمسكون العصا من الوسط …ولأن أحداً لن يقبل منهم أي طرح يعلي من قيمة الاستبداد ..فإن التمييع في الإنكار وحشر المعارضة في الموضوع وطرح سطور مبهمة لاتدري ما يريد كاتبها حتى لو قرأت بالمقلوب..هي السمة التي برزت في كتابات فئام منهم ؛ إذن فالقابلية واردة والشهية للاستبداد تأكل كل ضمير حي يقف بوجه اللاء .”
    ويصف الكاتب الرافضون للاستبداد بقوله: “وليس من شك ان أصوات الرفض للاستبداد آخذة بالتضخم ككرة الثلج كلما زاد الاستبداد كلما كبرت، بحيث تكون جبهة رفض عريضة هي الطريقة الأمثل في التعامل مع المستبد، إذ لا يكسر رغباته النسقية إلا مواجهته بالرفض وتصعيب مهمته وتعقيدها وكشف تهوره وفضح منطقه. وهذا قد لا يمنع الوحش الكاسر من تنفيذ خطته غير المعلنة، ولكنه قد يخفف من وقعها ويقلل خسائرها، أولا، ثم إن ذلك قد يوقف خططه المستقبلية ، إذا ما واجه مقاومة شديدة لخطته الأولى، بحيث يستنفذ كل مافي جعبته من حجج الإقناع، ومن إمكانات التعبئة، ولسوف يرى ان مزيداً من العدوان سيجر عليه مشاكل إضافية.”
    ويتحدث الكاتب عن صفات الشعب الذي يحكمه هذا المستبد فيقول: “إن شعب مثل شعبنا له تجربة تاريخية وحضارية عميقة، ثم له تجربة مع الاستبداد الملكي وهزيمة الملكية، لهو شعب ذات رصيد في الانتصارات وذات رصيد في الهزائم ويعرف طعم النجاح كما يعرف طعم الهزيمة، مثلما له رصيد في كبح جماح الطواغيت ، منذ كبح الأئمة إلى كبح مشروع الانفصال. وهذا كله رصيد معنوي عالي المفعول، ولن نعجز عن المشاركة في صنع روح تسري في جسد الشعب تقول لا للاستبداد ، ولن ننسى ان الشعب الذي قال لا للانفصال، سيلجم الوحش بصخور من الـ(لا)، ولذا فإن (لا) هي الجيش الوحيد الذي نملكه، ولا اقل من ان نستخدمه ونـقوي به( اللاء) العالمية.. لا للاستبداد”
    ———————————————————————————————–
    ثانيا: الانتخابات الرئاسية العربية والقابلية للاستبداد..! الشرق الاوسط (2)
    هذه مقالة سياسية بالدرجة الاولى, حيث يقول كاتب المقال: “صورة كبيرة اختارتها صحيفة (الفاينانشيال تايمز) البريطانية لسيدة عجوز بدا عليها الفقر والشحوب واعتلال الصحة، وهي تمسك بصورة «الزعيم» بيدها التي ظهر عليها علامة الحبر الدالة على أنها أدلت بصوتها له، هذه الصورة المعبرة جدا تختزل أزمة العرب وقابليتهم للاستبداد، فهناك دول عربية تعيش شعوبها تحت وطأة قانون الطوارئ، وباسمه ومن بوابته يزج في سجونها بعشرات الألوف، ومن بركات هذا القانون تنتهك الحريات، وفي دول عربية عدة يمثل فيها الجيش عمودها الفقري والاستخبارات عقلها، ويتقاسم الثراء فيها عدد محدود من ذوي النفوذ ورجال الأعمال على حساب البقية المطحونة تحت مظلة الجيش والاستخبارات كما تقول (الفاينانشيال تايمز)، وبعض هؤلاء الزعماء العرب لم يتخيل قط أن يعين له من يخلفه حتى ولو بمواصفاته ومقاييسه، وحكم بعضهم عشرات السنين وشعوبهم ترتفع بينها معدلات البطالة وتنخر في جسدها، ويعشش الفساد والمحسوبية والرشوة في كيانها، ومع ذلك تمسك هذه العجوز بصورة الزعيم تأييدا لانتخابه، وهي التي تعاني من مرارة الفقر والحرمان من العناية الصحية اللائقة وأبجديات العيش الكريم، وبالروح المقهورة وبالدم الذي تكاد كرياته البيضاء والحمراء تموت من العلل والأمراض يفدون هذا الزعيم أو ذاك.”
    ويتابع الكاتب تعليقه على الانتخابات العربية بقوله: “والمؤلم في شأن الانتخابات الرئاسية العربية أنهم ومع (تفهمنا) لتشبثهم بالسلطة التي لن يزحزحهم عنها إلا الموت، إلا أن نتائج الانتخابات العربية تبدو سمجة غبية عسيرة على المضغ والهضم، لا أقول على أمتنا العربية المقهورة المغلوبة على أمرها والتي لا وزن لها في أذهان المستبدين، ولكن أمام شعوب الدنيا التي انعتق أكثر دولها من مظاهر القهر والاستبداد، وأضحت الديمقراطيات الحقيقية هي التي تهيمن على ما نسميه نحن العرب بالعالم الأعجمي. ”
    ولكن اين المعارضه؟ يقول الكاتب: ” ومع أن الكل يدرك أن الانتخابات الرئاسية في الدول العربية في الغالب مسرحيات هزلية مكشوفة، إلا أننا نقدر كل دولة عربية تسمح من حيث المبدأ بهذه الانتخابات الرئاسية، صحيح أن أغلب التجارب العربية في هذا المجال فارغة المضمون مع غياب معارضة حقيقية منافسة، ومع ذلك فإن التغيير الشكلي قد يتحول في يوم من الأيام إلى تغيير حقيقي في المضمون، ولكن بشرط أن تمارس الجماهير العربية الراغبة في التغيير نشاطا سلميا وحضاريا، لا أن تكون المعارضة أسوأ من السلطة كما نشاهد في عدد من الدول العربية.”
    وتحدث الكاتب عن الاسباب لهذه القابلية فيقول: “مرض التخلف والنسب الانتخابية الساحقة واستعباد الناس والاستخفاف بالغير والإقصاء والأحادية وممارسة الدكتاتورية لا تختص بها الحكومات المستبدة، فأعراض الاستبداد متغلغلة في تركيبة المجتمعات العربية بدءا من البيت ومرورا بمحطات التعليم وانتهاء بمؤسسات القطاع العام والخاص والتجمعات الفكرية والحزبية، لن نلقي كل اللوم على الحكومات العربية المستبدة وإن كانت تتحمل جزءا كبيرا من المسؤولية، ولكن هناك القابلية للاستبداد التي تتغلغل في العرب، أو هو مصطلح الاستخفاف الذي أشار إليه القرآن (فاستخف قومه فأطاعوه)، فالذي يخاف على لقمة عيشه والذي يطمح في منصب أو مركز أو يطمع في أن يشارك في اقتسام الكعكة المنهوبة، والذي يرفع الشعار السخيف (وأنا مالي؟)، والذي يمجد كل خطوة يخطوها الزعيم وكل إجراء يتخذه ويعتبره صوابا وفعله الصواب كما يفعل المثقفون، كل أولئك أو غيرهم يعانون من مرض القابلية للاستبداد ويعززون انتشار أعراض هذا المرض الخبيث في مجتمعاتهم، ويساهمون بشكل أو بآخر في استمرار هذا الاستبداد وتغذيته، هذه الأجواء المريضة هي التي جعلت هذه العجوز البائسة الشاحبة المريضة ترفع صورة زعيمها الملهم.”
    ——————————————————————————————-

    ثالثا: الابعاد الدولية للاستبداد السياسي في النظم العربية جدلية الداخلي والخارجي (3)
    بقلم السيد نصر محمد عارف
    يتحدث الكاتب عن العلاقة بين العرب والغرب فيقول: “منذ ان اعاد العرب اكتشاف الغرب في ما بعد الحملة الفرنسية على مصر والشام اصبح العرب جزءاً (جوانيا) يؤثر في مجمل الظواهر المجتمعية العربية بل يشكلها ايضا في احيان كثيرة ، بحيث عرف الواقع العربي جدلية فريدة ما بين الداخلي والخارجي خصوصاً في كل ما يتعلق بمسألة الحكم والسياسة وعمليات التطوير والتغيير والتحديث ، بل قد لايكون من قبيل المبالغة القول بان الحضور الخارجي يفوق احيانا الوجود الداخلي فالنظم السياسية العربية قد نسجت على منوال النظم الغربية وان كان المنتوج مشوها قاصرا او ناقصا لانه لم يستطع ان يستبطن جوهر الاصل ومن ثم لم يستطع ان يكون على شاكلته او قريبا منه سواء في تكويناته وهياكله ام في ممارساته وحركته . ”
    ويتابع الكاتب شرحه لهذه العلاقة فيقول: “فعلى الرغم من ان الدول العربية المعاصرة قد نشأت بسبب عوامل خارجية وتحددت حدود وجودها واستمدت شرعيتها الجغرافية من البيئة الدولية اكثر من البيئة الداخلية وتكونت شعوبها طبقا لخطوط الخرائط وليس انطلاقا من المحددات الاجتماعية المحلية ومن هنا فان الحضور الخارجي في الداخل العربي يكتسب وضعية خاصة . ويتميز بمحددات فريدة قد لاتوجد في مجتمعات اخرى بالدرجة نفسها الا في بعض الدول الافريقية . ”
    ولكن يجب فهم هذه العلاقة السياسية الغريبة بين العرب والغرب كما يقول الكاتب: “وبناء على ذلك فان جدلية الداخلي والخارجي في اية ظاهرة سياسية عربية تستحق من التمحيص والفحص القدر الكبير حتى يمكن فهم الظواهر العربية فهما مستقيما يعكس حقيقة الواقع ويساعد في التعامل معه بصورة تؤدي الى تغييره نحو الافضل . ”
    وهنا ياتي دور ظاهرة الاستبداد في الوطن العربي كما عبر عنه الكاتب بقوله: “وعلى الرغم من ان الاستبداد بصورة عامة والسياسي منه بصورة خاصة ظاهرة بشرية شهدتها مختلف المجتمعات في مرحلة او اكثر من تاريخها سواء تخلصت منها بصورة جذرية ام ترسبت بعض عناصرها في ثقافتها واصبحت احد خواصها ومعلما من معالمها الا ان ظاهرة الاستبداد السياسي تكتسب طبيعة فريدة في الوطن العربي سواء في ماهيتها ام تمظهراتها ام في طريقة فهمها وتحليلها والتعامل معها فهي ظاهرة متجذرة في الثقافة العربية تتمظهر في اشكال وظواهر متعددة وهي في الوقت نفسه ظاهرة بكر لم تخضع للدراسة العلمية المعمقة والشاملة على رغم ان الجميع يرجعون اليها اسس الفشل العربي والتخلف العربي والتفكك العربي والانحطاط الحضاري العربي .. الخ”
    وللبحث عن اسباب هذه الظاهرة, يعود الكاتب الى عبد الرحمن الكواكبي فيقول: “فمنذ ان وضع عبد الرحمن الكواكبي كتابه الرائد طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد عام 1902 لم تظهر اية دراسة تعالج هذا الموضوع بعمق وشمول يقترب مما قدمه الكواكبي او يقتفي اثره فقد اسس الكواكبي قاعدة معرفية لدراسة الاستبداد والتعامل معه.” ماهي هذه القاعدة المعرفية التاي اسسها الكواكبي؟ يقول الكاتب: “تقوم على ان الاستبداد في الواقع العربي ظاهرة سياسية المظهر ولكنها دينية وفكرية ومعرفية في اسسها واصولها كذلك فانها تبدو وكانها خاصية عربية وليدة تلك البيئة والثقافة ولكنها في جوهرها غرس خارجي وجد تربة صالحة فازدهر وتجذر.”
    كيف يعالج الكاتب هذا الموضوع اذا؟ يوضح الكاتب: “وانطلاقا من ذلك وتأسيساً عليه فان معالجة هذا الموضوع اي موضوع الاستبداد تستلزم الالمام بالابعاد المختلفة لهذا الظاهرة , وفي هذا البحث سوف يتم التركيز على الابعاد الخارجية لهذه الظاهرة التي تعتبر مكونااساسيا في تشكيلها وفي استمرارها وتمكنها بل احيانا تكون هذه المحددات الخارجية العنصر الاهم والاكثر خطورة في فهم ظاهرة الاستبداد السياسي العربي وفي تحديد منهجية التخلص منه . ”
    ويحلل الكاتب الابعاد الخارجية لهذه الظاهرة فيقول: “وفي السياق التالي سوف نحاول معالجة هذا الموضوع من خلال تحليل النقاط التالية : اولا في الاسس المعرفية للاستبداد: الاستبداد في جوهره مشكلة معرفية اذ هو (غرور المرء برأيه والانفة عن قبول النصيحة فهو من حالات احتكار المعرفة وامتلاك الحقيقة والادعاء بكمال العلم بظاهر الامور وباطنها او هو تجسيد لحالة من اطلاق الذات ونسبية الاخر فالمستبد برايه هو من لايرى في اراء الاخرين وافكارهم وجها من وجوه الحقيقة او معنى من معاني الصحة ولذلك لايتعامل مع الاخرين الا على اساس انهم قاصرون يحتاجون الى وصي او عائل او ولي امر يقرر لهم ويتصرف في شؤونهم تصرف الوصي في شأن المحجور عليه عقلا او القاصر سنا . ”
    ويضرب الكاتب مثلا لهذه الاسس المعرفيه للاستبداد بالسياسة الفرعونية بقوله: “ومن هنا كانت الفرعونية السياسية هي قمة ظاهرة الاستبداد ففرعون خاطب قومه مدعيا انه هو الذي يهديهم سبيل الرشاد بينما النبي (موسى) عليه السلام جاء ليقتلع من الارض الفساد فتعريف الرشادة والرشد في هذه الظاهرة الفرعونية مرجعه الى ما يراه المستبد لا ما تقرره حقائق الواقع او معطيات العقل.”وبناء على هذا المثل الفرعوني يستنتج الكاتب: ” وتأسيسا على ذلك يكون اخطر انواع الاستبداد هو تلك الحالة المؤسسة على رؤية دينية لذلك اقترن الاستبداد في التاريخ الانساني بحكام يدعون انهم الهة او انصاف الهة او متحدثون باسم الاله او يملكون حق الاله او معينون من قبل الاله .”
    ويفرق الكاتب بين الاديان السماوية والاديان الارضية في تاسيس الاستبداد بقوله: ” والتاله هنا ليس هو ذلك المعنى المرتبط بالدين السماوي بل ان الاديان الارضية اكثر خطورة اذ انها لاتوفر مرجعية يستطيع الخاضعون للاستبداد معارضته على اساسها وانما مرجعيتها هي ما وضعه البشر المستبدون ومن ثم كانت الايديولوجيات السياسية التي ادعت انها تملك الحقيقة المغلقة الاكثر استبداداً والاخطر على بني الانسان من غيرها كالايديولوجيات الاشتراكية او القومية المتطرفة مثل النازية والفاشية وغيرها . ”
    ويعود الكاتب الى تعريف طبيعة الاستبداد مرة اخرى بقوله: “وحقيقة الامر ان الاستبداد قرين الوجود الانساني فهو موجود بالقوة في جميع التجمعات البشرية وبين جميع البشر اذا اختلفت امكانياتهم ومصادر قوتهم ومنازلهم ولكنه يوجد بالفعل حين تتوفر شروطه او بعبارة اخرى يوجد ويتحقق واقعا اذا اعطى الطرف الذي يمارس عليه الاستبداد فرصة للمستبد بتنازله عن كرامته ومكانته وحقوقه وحينها يظهر الاستبداد حيث لايوجد عزيز من دون ذليل يبرر وجوده هذه العزة ولايوجد قوي الا بضعيف ولايوجد غني الا بفقير النفس محتاج. ”
    ويعود الكاتب الى الاسباب الخارجية للاستبداد بقوله: “ولكن هذه المقولة تحتاج الى مراجعة وتدقيق اذا احيانا يكون هناك استعزاز واستقواء واستغناء اذ وجد طرف من خارج المجتمع ساهم في تقوية بعض المجتمع على بعضه ومدة بوسائل تساعده على اخضاع الاخرين واستذلالهم وممارسة القوة عليهم وهذا هو الغالب في تاريخ المجتمع العربي منذ عصر العباسيين حتى اليوم. فغالبا يكون الطرف الخارجي حاضرا في معظم حالات الاستبداد وما اكثرها.”
    ولكن ماهو دور العوامل الداخلية (وهنا يظهر مفهوم القابلية للاستبداد )؟ يجيب الكاتب: ” ولكن ينبغي الا يكون هذا حتمية تاريخية ويجب الا ينصرف الفهم الى تبرئة الذات واتهام الاخر فالثابت في سنن المجتمعات وفي صيرورة التاريخ انه لولا القابليات الداخلية ما استطاع طرف خارجي التاثير فلولا القابلية للاستبداد ما وجد مستبد ولولا القابلية للاستعباد ما ظهر سيد متعال وحاكم متجبر . فالجدلية دائما تدور ما بين الفعل والقابلية للانفعال اي ما بين الظلم والقابلية للانظلام او ما بين الجور والقابلية لاحتماله وتقبله ”
    ويعود الكاتب الى مفهوم الكواكبي فيقول: “وكما يقول الكواكبي ومن الامور المقررة طبيعيا وتاريخيا انه ما من حكومة عادلة تامن المسألة والمؤاخذة بسبب غفلة الامة او التمكن من اغفالها الا وتسارع الى التلبس بصفة الاستبداد وبعد تتمكن فيه لاتتركه وفي خدمتها احدى الوسيلتين العظيمتين : جهالة الامة والجنود المنظمة وهما اكبر مصائب الامم واهم مصايب الانسانية . ”
    ويستعرض الكاتب ظهور مفهوم الاستبداد عند الغرب والعلاقة بين الداخل والخارج تاريخيا بقوله: “واذا كانت هذه هي طبيعة الجدلية القائمة بين الداخلي والخارجي في ظاهرة الاستبداد كما هي متحققة واقعا وكما شهدتها مجتمعات عديدة ومنها المجتمعات العربية فان الجدلية نفسها تنطبق على صياغة المفهوم وتحديد دلالاته ومعانيه واختلاف تلك الدلالات والمعاني من عصر الى اخر طبقا لطبيعة علاقة التاثير والتأثر بين الداخل والخارج فالاستبداد بمفرداته المختلفة . وظهر لاول مرة في التاريخ الاوربي في القاموس الفرنسي عام 1720 اذ تمت صياغة هذا المصطلح في اواخر القرن السابع عشر ومع مونتسكيو في كتابه روح القوانين الذي الفه عام 1748 والذي وصف فيه نظم الحكم الشرقية اصبح هذا المصطلح اساسيا في الفكر السياسي الاوروبي وبدأ استخدامه بصورة واسعة على ايدي العديد من المفكرين امثال ادم سميث وبتام بيرك وغيرهم من الذين عارضوا فكرة بناء الامبراطوريات التي بدأت تظهر في اوروبا على حساب شعوب اخرى تحت دعاوى اخلاقية في ظاهرها وتستبطن اعلى درجات النفاق في جوهرها مثل حرية التجارة والحكمة الاقتصادية والتحديث وغيرها في حين انها ادت الى تدمير المجتمعات البشرية وتخريب الانسان وقد قامت هذه الامبراطوريات على اساس تحقيق الديمقراطية في الداخل الاوربي والاستبداد في الخارج . وهنا نلاحظ ان مفهوم الاستبداد في الفكر الغربي ظهر ليصف حالة خارجية ابتداء ثم استخدم لتوصيف النظم السياسية الدكتاتورية في اوروبا بعد ذلك.”
    ويحلل الكاتب ايضا الاحداث التاريخية العربية والاسلامية لمفهوم الاستبداد (وهنا يظهر مفهوم المستبد العادل) ويستخلص منها العبرة بقوله: ” اما في الخبرة التاريخية العربية الاسلامية فان مفهوم الاستبداد كان يستخدم كمفهوم محايد يصف حالة من القدرة على فرض سيطرة الدولة على مختلف ارجائها وقدرتها على القضاء على الخارجين على القانون فكان يستخدم بمعنى القدرة على التحكم بغض النظر عن طريق هذا التحكم ونتائجه والقيم المحيطة به . فقد يكون تحكما عادلا وقد يكون تحكما ظالما لذلك وصف الشاعر العربي قديما محبوبته بانها عندما احبها تحكمت فيه و(العاجز من لايستبد )ومن هنا كان استخدام هذا المفهوم محملا بدلالات تختلف كثيرا عن المعنى المعاصر فحين استخدمه الامام الغزالي في القرن الثاني عشر واستخدمه الامام محمد عبده في اواخر القرن التاسع عشر مضافاً الى فقد رأياً ان الحكم الصالح هو حكم المستبد العادل اي القادر على فرض سيادة الدولة او سيادة القانون والتحكم في مختلف ارجاء الدولة ومنع الخارجين او القوى المناوئة من الانفصال او الاستقلال او تنفيذ قانون اخر ولكنه في الوقت نفسه يكون تحكما قائما على العدل ومطبقا له ومحققا لمقاصده .”
    وهكذا يخلص الكاتب الى النتيجة التالية: ” ومع تزايد الحضور الخارجي في الواقع الفكري والثقافي واللغوي العربي اصبح معنى الاستبداد هو المعنى الغربي وليس المعنى العربي لذلك حدث نوع من القطيعة المعرفية مع الدلالة العربية للمفهوم واصبح الباحث المعاصر ينتقد محمد عبده وابا حامد الغزالي على اساس ان افكارهما تعاني الانفصام وجمع المتناقضات من دون ان يفهم الدلالات التاريخية للمفاهيم التي استخدماها بل اسقط المعنى الغربي المعاصر على اللفظ العربي التاريخي . “
    ——————————————————————————————–
    ونكتفي الان بهذا القدر من العرض لمفهوم القابلية للاستبداد على امل القاء بكم في الجزء الثاني.

    وللحديث تتمة
    احمد عصمت بربور
    العين في السادس من ايار(مايو)-2009
    ——————————————————————————————
    المراجع:

    (1) القابلية للاستبداد ..وصوت اللاء
    http://knol.google.com/k/omar-al-kindy/-/1e6j6aiqh1rud/2#
    بقلم عمر الكندي

    (2) الانتخابات الرئاسية العربية والقابلية للاستبداد..! تعليق الأستاذ حمد الماجد
    http://www.aawsat.com/leader.asp?section=3&article=323994&issueno=9791
    الشرق الاوسط لاحـد 14 شعبـان 1426 هـ 18 سبتمبر 2005 العدد 9791

    (3) الابعاد الدولية للاستبداد السياسي في النظم العربية جدلية الداخلي والخارجي /1
    التاريخ: Thursday, June 01 اسم الصفحة: سياسية
    يسر صحفية (الجريدة) ان تنشر دراسة السيد نصر محمد عارف باحث ومفكر واكاديمي ، جامعة القاهرة التي تضمنها ملف (الاستبداد والتغلب في نظم الحكم العربية المعاصرة ) المنشور في مجلة
    (المستقبل العربي)في عدد اذار 2005هذا الخبر من موقع جريدة الجريدة
    http://www.aljaredah.com

    إعجاب

  7. اعزائي
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    بما انني اتابع ماكتب حول موضوع القابلية للاستبداد, فلقد احببت
    ان ارسل اليكم هذه المقالة المهمة والمنشورة في الموقع
    http://www.arabrenewal.net/index.php?rd=AI&AI0=5089
    حول: الوجه الباطني للإستبداد قرائة في التجربة الجزائرية
    للاطلاع عليها وابداء الرايء
    وشكرا
    احمد==========================
    أنظمة الحكم العربية المعاصره”
    الوجه الباطني للإستبداد والتسلط في طبيعة السلطة السياسية العربية:
    قراءة في التجربة الديمقراطية المتعثرة في الجزائر,
    بقلم الدكتور بومدين بوزيد
    في مشروع دراسات الديمقراطية في البلدان العربية
    اللقاء السنوي الرابع عشر 28/8/2004م, نشرت في موقع التجديد العربي, رئيس التحرير: د. يوسف عبد الله مكي, 06:55 الخميس 07 مايو 2009
    http://www.arabrenewal.net/index.php?rd=AI&AI0=5089

    “عقلانية المعلوماتية” تتجاوز عقلانيات وحداثات سابقة وتضع لنفسها الكوجيتو الخاص بها في عالم يتجه نحو عولمة يرى فيها بعض فلاسفة هذا العصر الغلبة والإنتصار للنمط الليبرالي الغربي، وهي نهاية (قيامة) بطريقة لم تتحدث عنها الأديان وكتب نهاية العالم بهذا الشكل، وإن كانت فلسفة “الإختلاف الدريدية” تنتقد هذه الأفكار الأمريكية بخصوص النهايات وتسخر من المنطق الداخلي الذي تتميز به فهو منطق هيمني يتسم بالغرور.
    مهما كان الخلاف حول فلسفة النهايات، وهل فعلا ينتهي العالم إلى النمط الليبرالي الغربي أم سيكون الصراع بين القيم والعقائد ويرتسم العالم على أساس الشرق والغرب؟، فإنّ نصيب العرب في هذه العقلانية الجديدة يكاد أن يكون غائباً في ظل إستمرار للإستبداد ولإشكالات فكرية وسياسية وهمية ظلت تلاك منذ قرن من الزمن، لم نحقق الإقلاع النهضوي وظلّت الخطابات الشعبوية المشبعة بقيم التخلف مهيمنة واستمرت ببقاء الدولة الوطنية القائمة على العسكر ومنطق القبيلة التي كان من المنطق التاريخي أن تبقى مرحلة زمنية كحاجة تاريخية ثم تزول، ولكنها للإسف إستمرت فخلقت الدولة الهجينة وتآكلت من الداخل وأفرزت نقائضها، نقائض تفكر بنفس الآليات، فبقيت المرجعيات والمحددات التاريخية والعشائرية هي الحاضرة دوماً والتحكم إلى المقدس في حالات التنازع والتقاتل.
    إن هذا الخلط وإزالة الحدود الفاصلة بين الأنظمة الفكرية أو الدينية أو الشعائرية هو المؤدي إلى إنتاج مقولات إعدام الآخر الممتلك لأنظمة فكرية غير هجينة وتفرق بين ماهو ديني ودنيوي وماهو ماض وماهو حاضر، هذه الأنظمة تتسم بالتمايز والوضوح، وهو بهذا الإنفصال وطابع العلمية يشكل خطراً وتهديداً على الأنظمة غير المقننة والمحددة والتي تتسم في الغالب بطابع التداخل ولاتستطيع التحرر من هيمنة “الذاكرة” بل على العكس أحياناً هذه الأنظمة هي التي تهيمن على هذه الذاكرة باحتوائها وتأويلها تأويلاً أحادياً ضيقاً نفعياً، ومن هنا يكون العجز إما في إقامة التحاور مع “أنظمة العقل” المتحررة من المرجعية الذاكرية المستبدة أو في إنتاج مقولات حداثية، أو في الإجابة عن التحديات الراهنية .
    الأزمات المنهجية والمفهومية في الفكر العربي المعاصر ترتبط في جزء منها بهذه الأنظمة الذاكرية التي إنتعشت أكثر في بلدان عرفت باسم “الدولة الوطنية” المفتقدة إلى الشرعيات العقلية ماعدا الشرعية التاريخية ولعل إرتباط جزء كبير من المثقفين العرب بتنظير هذه الذاكرة هو الذي حال دون إبداع فكر عربي حداثي دون مرجعية ماضوية أو حاضرة (ماركسية أو فلسفات غربية أخرى) هي ماض بالنسبة لنا ليس بالمعنى الزمني ولكن بالمعنى الحضاري بمقياس الإبداع والتجديد والقدرة على تبيئة المفاهيم والمنهجية التي نتأثر بها، فهي ماض رغم زمانيتها، ولإنها كذلك إستجابة لوضع وقيم حضارية تتميز عنا .
    مهما كانت الخطابات الثقافية أو السياسية اليوم المحددة بآليات هي في جوهرها – كما قلت عائقاً- أمام القدرة على التجديد والإبداع والمشاركة المثلية في الحضارة الإنسانية القائمة والتي ستتطور بسرعة في القرن الجديد، فإننا بالتأكيد ستفرض علينا هذه العولمة التخلي عن كثير من القضايا المستهلكة في فكرنا العربي المعاصر، كما سنتخلى إضطراراً عن الإحتكام إلى الشرعيات التاريخية أو إلى المقدس أو البقاء ضمن التأطير العشائري أو بناء الحسابات السياسية على أساس نصيب الغنيم.
    ﴿1﴾
    الإجنهادات المتنوعة اليوم في حقلي الفكر السياسي والأخلاقي- الإيطيقي في الغرب يمتد فضاءها النصي والممارساتي من الأنواريين في العصر الكلاسيكي كـ”مل” و”جون لوك” و”روسو” إلى أبرز مفكر أمريكي اليوم “جون راولس” John Rawls صاحب كتاب “نظرية العدالة” الذي صدر سنة 1971 بالإنجليزية وترجم إلى الفرنسية عام 1987، وقد لقي رواجاً كبيراً وترجم للغات أخرى وللأسف لم يترجم إلى العربية إلى اليوم حسب علمي رغم أهميته الآنية بالنسبة للعدالة المريضة عندنا ووضع حقوق الإنسان المتدهور (1).
    كما يتم التوجّه نحو مايسمّى “إيطيقا السياسة” أي البحث في قيم وأخلاقيات الممارسة السياسية، وهذا له علاقة أيضا بمايسمّى “أخلاق وثقافة التواصل” (2)، هي دراسات وأبحاث لقيت رواجا بعد سقوط السوفيات وهيمنة أمريكا، وكانت الأطروحة المشتركة إعتبار الأنظمة التوتاليتارية التي أنتجت الحربين العالميتين رمزاً للشر بل هي الشر بتعبير صاحبة أشهر نظرية حول الأنظمة الشمولولية “حنا أرندت”(3)، ويحاول الإعلام الأمريكي اليوم وبعض الأوربيين بعد 11 سبتمبر تصوير هذا الشر مستمراً من خلال الإرهاب (4).
    مايلفت الإنتباه في المراجعات والإجتهادات الحاصلة في مثل هذه الأعمال: هو نقد الليبرالية المعاصرة واعتبارها منحرفة عن المبادىء الإنسانية التي قامت من أجلها، سواء في تحويل المواطن إلى أداة كبقية الأدوات والتكنولوجيا، وقهره داخل المؤسسة، ومن هنا الحديث عن العدالة بمعنى إعادة فرديته وإنسانيته في مؤسسات عادلة تتواصل معه كإنسان، وهناك ايضاُ الإهتمام بقضية “الجماعية” أو “حقوق الأقلية، خصوصاُ اللسانية” ويعتبر الفيلسوف الكندي “شارل تايلور” (5) أبرز المتحدثين عن هذه المسألة، فمسألة الهوية تطرح كمشكل “عدالة توزيعية” ويطرح هذا المفكر وزملاؤه في هذا الميدان صيغة “المواطنة المتعددة- ثقافياً”، أي عدالة توزيع “الحقوق الثقافية” التي تسمح باحترام الفرديات، التي تبنى اساساً على “حقوق الجماعة” ثقافياً (6)، وهنا نلمح النقد القوي للعصر الأنواري الذي أعلى من شأن حقوق الفرد، فالتعبيرات الثقافية المتنوعة هي “حقوق جماعية” ومحكومة بثلاثة أسباب عقلانية: [حيادية الدولة، وفردانية أخلاقية، ومبدأ الإنصاف، أي أن كل مجموعة تأخذ نفس الحق].
    أما نحن في المجتمعات العربية – خصوصاُ دول المغرب العربي- فمازلنا أمام خيار واحد، خيار النموذج الأنواري البحت في صيغته الفرنسية التي ورثنا جزءً منها رديئاُ، والمستهلكة تقليدا وتكراراً بوعي أو بغير وعي عند بعض ليبراليينا (المثقف أوالسياسي)، فهناك اليوم صيغ واجتهادات عديدة إلى جانب ميراثنا الحضاري، ولو أنه – أي هذا الميراث- في سنيته الرسمية المعثمنة (7) فيما بعد مغلف ومحكوم ومغلق بفكرة “المستبد العادل” الذي لم يكن عادلاً، وبقاعدة “إن الله يزع بالسلطان مالايزع بالقرآن”، وهنا نتذكر الرحالة “أبا حامد الغرناطي” حين أوّل الحديث النبوي التالي – ولا يزال هذا صالحاً أي التأويل إلى اليوم- “الدنيا قبر المؤمن وجنة الكافر”، وتأويله: أن الؤمنين يعيشون قبراً بظلم حكامهم وطغيانهم والكافرين في نعمة جنة العدل والخير، لقد مرّ هذا الرحالة بدول أوربية كانت بدأت تنهض في القرن الثاني عشر والثالث عشر ميلاديين.
    إن عملية التواصل أو القطع مع بيئتنا التاريخية وذاكرتنا يختلف من بلد عربي لآخر، فالجزائر ليست السعودية أو المغرب مثلا، فالإختراق الكولينيالي – الليبرالي ضرب كل ما يمت بصلة لتركيبة السلطة التقليدية، ولكنها ساهمت في خلق نمط دولة خرجت من رحم المرحلة السابقة مازالت مستمرة معنا، سواء في البنية الإدارية أو بعض المدونات القانونية أوبعض القيم السائدة في الحكم والتسيير، وهو عامل كان وراء الهزات العنيفة منذ أحداث أكتوبر 1989 ومالحقها من توقيف الإنتخابات بداية التسعينات من القرن الماضي، فما زال اللا إستقرار هو الإستقرار وهو الشيء العادي، وقد يستمر لسنوات أخرى، إنه التدهور السياسي وتعدد المتاهات والمخارج ويبرز ذلك جليا كلما أقبلنا على إنتخابات ما.
    ففي الجزائر ستبقى الهوية مصدراً للنزاع وقد يكون هذا النزاع إبداعياً إذا كان حضارياً وبوعي ولكن حين يصيرمتكئاً سياسياً أو لتحافظ بها الجماعات أو الطوائف العرقية واللغوية على بقائها واستمرارها فإنه ينتج الصدام والعنف والإقصاء والكراهية، إن هويتنا الوطنية مأزومة اليوم والمثقف تقريباً غائباً لاينتج المعرفة المتعلقة بهذه المسائل ولايجيب عن التحديات الراهنية، ماذا تصنع هوية يراد لها أن تستمر بالقرارات وتأسيس المجالس العليا أو يكون مطلب لرفض بقرارات لجزء منها؟ إن الذين يقررون أو يرفضون مهما بدا لنا من تعارضهم فهم عقل واحد ينتج نصاً واحداً ويكرسون آليات واحدة، والمثقف العربي له إمكانة المساهمة الفعالة في كشف المنطق الداخلي لهذا التفكير وعوائقه المنهجية وتحليل وسائله المفهومية بتلمس العناصر المشتركة التي تجعل مايبدوا متعارضا ومتنافرا على مستوى الخطاب هو عقل واحد يكرس نمطية في التفكير مستنسخة، ومن هذه العناصر :
    1. الصراع حول إمتلاك المقدس: إستخدام المقدس تم إستخدامه من طرف النظام قبل المعارضة فهو أحد أبعاد الحقل السياسي ويشكل المخيلة الإجتماعية وينتعش من خلال جدل الحضور والإختلاف، ففي غيابه حضوره .
    2. الثنائيات والتلفيقية: إننا مغرمون بالأزواج (الثنائيات)، وحين تتعبنا أونعجز عن المخرج من المأزق نلجأ إلى التلفيقيةSyncrétisme ، هي أزواج مغلوقة وليست مفتوحة مفقرة، وحتى عندما يراد الخروج منها أو ترضية الأطراف المتناقضة يُنتهى إلى تلفيقية مبسطة – كما قلت- لا تغني ولا تسمن من جوع، إنها وسطية وهمية شبهها أحد الكتاب العرب بـ”النخلة العربية” التي تسمح بتجاور الشيئين وأحياناً الضدين، “إن رأسها في الشمس وأقدامها في الماء”.
    3. نمذجة التفكير: إن النموذج حاضر دوماً في مناقشاتنا قد يكون عامل إبداع ولكنه في حالتنا معوقاً للتفكير الخلاق حين يكون تفكيرنا عاجز عن التفكير إلا ضمن النموذج، قد يكون ماضياً أو حاضراً وغالباً مايوقعنا في آلية التماثلية والمقارنة .(8)
    ﴿2﴾
    اللاإستقرار هنا معناه عدم رسوخ المؤسسسات وسيادة القانون، فهناك تداخل للصلاحيات والتاويلات الفاسدة للقانون، كما كان ومازال التأويل الفاسد للتاريخ والذاكرة، فلا فاصل بين المشرع والمنفذ والمعاقِب وتبرز هذه المظاهر أكثر في الدولة المفتقدة للشرعية الديمقراطية أو التي تنتقل إلى حصر السلطات في يد الزعيم، وفي مجتمعاتنا هناك سهولة في بروز الفردانية الملهمة الكاريزمية التي تكون مبشرة ومنذرة على الطريقة النبوية المهدوية، فهناك المكونات النفسية والإجتماعية التي يتم في أي لحضة إستدعاؤها وتنشيطها(9)، قد تكون حاجة تاريخية في ظروف معينة للتحرير أو لدرء الخطر الخارجي، ولكن في الظروف العادية تكون وبالا على الديمقراطية والحريات.
    وغالبا ما تكون الشخصية المنفردة بالسلطة مريضة، فهي تسعى نحو القهر وترى ذاتها لها الفضل في التاريخ وتعيش وهم “الديْن” أي أن الآخرين عليهم دينا يردونه، فنكون علاقته بأمته علاقة مديونية، ويصاحب هذه الهستريا ثقافة وقيم تعمل على تنشيط مخيال الزعامة، وتصوره على أنه هو المنقذ، وتصوروا معي حينما يطرح السؤال التالي: وهل يوجد أفضل من هذا الحاكم؟ إنه الخطيب المفوه، هل يوجد بليغ مثله؟ لاحظوا مازال البيان سحرا عند مثقفينا وفي تنشيط مخيالنا، هي الخطابة التي يستمتعون بها ويتوهمون الخروج من التخلف والفوضى والعنف (10)، ومن هنا يمكن كذلك فهم التعاطف مع صدام ضد الأمريكيين الذي يحيلنا على صورة جمال عبدالناصر أو بومدين، إنه تعاطف الذين يشعرون بالعدوان والظلم من الغرب ويتوهمون أن هذه الزعامات المحتكرة للذاكرة والتاريخ هي التي تخلصنا من إسرائيل والغرب وتعطينا التفوق، في حين أنها لن تجلب سوى مزيد من المآسي.
    أليس من العجب أن يُتصور لاحقا إنه ولي من أولياء الله (11) مادامت المشايخ الطرقية يدعون له بالنصر؟، ويذكروننا هؤلاء بما قام به بعض أجدادهم في الدعوة بالخير والنصر لبعض البايات والدايات في العهد التركي الذين تميز عهدهم بالظلم وسفك الدماء؟، إن هؤلاء لا يدركون التصوف في جوهره النقي كما نقرأه في الحكم العطائية أو نصوص محي الدين بن عربي أو غوثيات سيدي أبي مدين التلمساني، أو ما تركه من آثار ألامير عبدالقادر الجزائري (12).
    إن مفهوم الشر (13) رغم أصوله اللاهوتية والأسطورية يتكرر ويتجسد أساساً من خلال طبيعة الأنظمة، فالشر في الجزائر منذ سنوات هو الإرهاب والتسلط الذي قد يدمّر كل شيء، وهو تسلط مرتبط بمجموعات المصالح، فما معنى اليوم أن نتهاوى إلى هذا الحضيض وبدل الخلاف حول الافكار والقيم والمشاريع والبرامج نختلف حول الأشخاص فتكون العصبية والعشائرية وعقلية اللصوصية هي المستحكمة، والتطورات الحاصلة اليوم هي إنزلاقات خطيرة نحو ضرب مظهرين كان علينا تطويرهما وتحديثهما، الظاهرة الحزبية بتفتيتها وإفراغها من محتواها وجوهر معارضتها، والظاهرة الإعلامية بتكميم الأفواه وسجن الصحفيين (14)، في حين يتم إغداق الأموال ومسح الديون ونسيانها لجرائد أخرى تهتف باسم الرئيس وتلعن كل معارض، ولا يستحي بعض مالكي هذه الجرائد في الإشادة بدور الأمن باستجواب وسجن الصحفيين ويدافعون عن بوتفليقة بلغة مبدأية وهم في ذلك يبزنسون.
    بمواقفهم ويحاولون الضحك على القارئ، فبعضهم لا يصلح إلا أن يكون حوانتيا بقالا لا علاقة له لا بالمهنة الإعلامية ولا بالسياسة (15).
    إن أنظمتنا العربية لم تستطع تجاوز الإستبداد كشكل تسلّطي أو كسلوك يومي في المؤسسات وحتى كثقافة وقيم، بل يتواجد أحياناً حتى في الأحزاب المعارضة التي تطالب بالديمقراطية، هي أشكال إنتقدها “عبد الرحمان الكواكبي” في القرن التاسع عشر ومازالت قائمة بل أحياناُ بصورة أسوأ، بعضها – أي هذه الأنظمة العربية- يتهاوى بفعل القوى الخارجية والضّغط الدولي (16).
    ﴿3﴾
    هناك أنظمة عربية ذات طبيعة معقدة قد تتداخل فيها مراحل مواصفات سلطوية في وقت واحد وتنمحي التمايزات، قد يسميه البعض الهجانة (17) ولكن يمكننا تسميته بـ”سلطة العصب المقرصنة” (18)، فليست بالأحزاب أو التنظيمات الواضحة، هي مجموعات تشكل عصب أو قبائل تتنازع حول المال والإستحواذ على مصادر القرار وبالتالي هي ذات سلوك قرصني مدمر، والمثال هنا الجزائر، التي يفاخر مسؤولوها وبعض مثقفيها العوام بالديمقراطية وأنها دولة المؤسسات.
    إضافة إلى ما يتحدث عنه الكثيرون من تسلط الجيش (19) والعصابات المافياوية على الحكم، هناك عوامل أخرى يمكن ذكرها ووصفها وهي ضرورية في فهم طبيعة التسلط في النظام الجزائري الذي قد يكون مرتبطاً أحينا بطبيحة الحاكم أو الجماعة الحاكمة، وإذا ماأردنا مقاربة فهم طبيعة الحاكم عندنا – رغم طبعا التباين والتمايز أحيانا- يمكن ذكر العوامل الثلاثة التالية التي تشكل طابع الهيمنة الفردية وتخلق المحاكاة حتى عند المسؤولين على مستويات أخرى في السلطة:
    “المديونية التاريخية” التي يتميز بها الحاكم، وهي شعور وقناعة متوارثة عند جيل معين ومجموعة معينة ترى أن البلد والشعب مديونان لهم بكونهم قادوا بلدهم إلى الإستقلال، وبالتي فإن إنتخاب الشعب لهم وقبولهم والرضى بهم والهتاف بحياتهم هو ردّ لهذا الدِيِْن، والشعور بـ”المديونية التاريخية”، أي كون الأخر يؤدي دينا في علاقته بالحاكم لا توجد عند الانظمة الديمقراطية المعاصرة اليوم، قد لا يصرح الحاكم العربي، بذلك ولكنه يعاني منه كحالة مرضية تطورت واستعصي علاجها، خصوصا إذا كان البعض من هؤلاء عُزل وحرم من السلطة، ويعود إليها محملا بالغيض والحنق، ويبالغ محيطوه ومناصروه في إعتباره المنقذ الوحيد لهذا البلد ويُصدّق ذلك هو نفسه ويتحول لديه إلى حالة نفسية مرتبطة بالشعور بالمديونية التاريخية، ومن هنا علاقته مع التاريخ علاقة تسلط ويحاول فرض قراءته هو للأحداث، بل قد يحتكر إنجاز الدولة في مرحلة ما لنفسه باعتبار هو أحد اعضاء القيادة حينها، وآخر قد يختار مرحلة أخرى تقيم كمرحلة تقدم وإنجاز.
    “المزاجية المتقلبة”: قد يقع التعارض والتناقض في موقف هذا الحاكم أو ذاك على إعتبار مصلحي أو إستراجيجي وتكتيكي في مقارعة خصومه والإنتصار عليهم، ولكنه قد يعود إلى طبيعة مزاجية متقلبة يبيت على حال ويصبح على حال أخرى، يرضى اليوم عنك وغدا هو ساخط عليك، وقد كتب أجدادنا في نصوصهم الخاصة بالإمارة على أن هؤلاء قد يفسدون الملك والحكم ولزمهم الردع من المسشتارين والمقربين إذا كانوا مخلصين غير متملقين ومتزلفين وقد لاحظ ذلك “إبن المقفع” وغيره الذين عاصروا خلفاء وأمراء من هذا النوع، هذه المزاجية قد تعود إلى طبيعة الطفولة المحرومة ولكن بالتأكيد أن الشعور بالمدينونية التاريخية له حضوره في طبيعة هذه المزاجية المتقلبة.
    “الوهم بالمهدوية” نستعمل هنا المهدوية كحالة نفسية يشعر به الحاكم أو يعتقدها مناصروه، وليس كمذهب ومعتقد فلها سياقاتها التاريخية والثقافية، ولكنها حالة مركبة قد تنهل من المتوارث الديني والعاقائدي لفكرة المهدي المنتظر، أعجبني تعبير زميل لي بالجامعة حين راح بوتفليقة يدشن حملته الأولى للرئاسيات “أنه بدأ من تأبين بومدين” (20) جاء وفي ذاكرة الشعب صورة ذلك الشاب ذو الصوت الرخيم البليغ وهو يؤبن الراحل هواري بومدين في مقبرة العالية، إنه تأبين لمرحلة سابقة وليس لشخص الرئيس ثم إختفى ليعود كهلا ولكن بنفس الصوت والبلاغة لا ليؤبن ولكن ليبعث هو من الرماد طيرا يلتف حوله بعض مشايخ الزوايا ويصورنه الطير المبارك الآتي بالغيث، يعيد إستحضار صورة البرنوس وصورة بومدين وصورة الجماهير الهاتفة بالوطنية في زمن الإنكسارات والدماء البريئة التي يلعقها الإرهابيون متلذذين بموتاهم، يحاول التماهي مع ذلك الزمن السبعيني تاركاً تأثيراً نفسياً عند الجماهير أنه المنقذ والمصلح الذي يجمع هذه الأمة على كلمة سواء ويصلح ماأفسده الآخرون.
    قد تتلاقى هذه الحالة المرضية مع إعتبارات مصلحية سواء عند هذا الحاكم أو عند مجموعات أخرى ترى في ضرورة بقاء هذا الحاكم الفرصة التاريخية، أما المعارضون فقد لا يختلف بعضهم عن هؤاء القراصنة الجدد.
    نحن في حاجة إلى عمليات حفرية أركيولوجية – بلغة فوكو- (21) للكشف عن بنية الإيتبداد في أنظمتنا العربية، وهذا يتطلب الإستعانة بالحقول المعرفية الإنسانية الجديدة كعلم الدلالة والأنثربولوجيا والهيرمينوطيقا واللسانيات وفلسفة التاريخ والمستقبليات، فتحليل الخطاب السياسي الرسمي أو المعارض يحتاج إلى فهم الدلالت وكشف البواطن من خلال منهجيات هذه العلوم الجديدة، وفهم السلطة العربية وتناقضاتها يقتضي ربط ذلك بالجذور والميراث التاريخي والتداخلات المالية والمصلحية والنفوذية، كما أن فهم طبيعة الحاكم – التي هي أحياناً مرضية- تحتاج كذلك إلى إعمال سرير إكلينيكي لتحليل الطبيعة الإستبدادية المرضية.
    إن وصف الإستبداد أو التاريخ له خطوة أولية ولكن الخطوة الأهم والأعمق هي كشف ومعرفة هذا الأسبداد في عملياته المعقدة واستمراره معنا إلى اليوم، أي فهم الآليات التي يسود بها، وقد أشرنا آنفا إلى عوامل ترتبط أساساً بظاهرة الزعيم الذي يتماهى مع الدولة ومع شعبه، قد يستطيع السياسي المعارض والمثقف المحلل غير المجن في هذه الأنظمة رؤية ذلك وكشف أغواره، ولكن هناك حلالت ومراحل أخرى يصعب فيها كشف ماهو إستبدادي وتعسفي ومهلك للعملية الديمقراطية، أقصد بهذه الحالة، حين يبدو للعيان أن هذه الدولة أو تلك تسير نحو الديمقراطية، أو هي فعلاً دخلت التجربة وتسير نحو عملية تداولية في ممارسة الحكم، قد تبدو للعيان الظاهري أن هذه ديمقراطية، بفعل واجهة التعددية والإنتخابات التزيينية، التي تخفي القبح السياسي المسستر، ففي الجزائر منذ أربع سنين أو يزيد قليلا اعطيت إعلامياً صورة البلد الديمقراطي لأنه تجاوز محنة الإرهاب ويومه الدموي الذي ميز مايسمى بالعشرية السوداء، ولأنه إستطاع العودة إلى الحضيرة الدولية فنشطت دبلوماسيته وعادت السفارات والطائرات إلى مطاراتها وحققت صرفا إحياطيا معتبراُ من الغاز والبترول.
    إنها صورة في حاجة للمناقشة والفحص وكشف ألوانها الغامضة والداكنة وفي نفس الوقت تأويل ألوانها الواضحة البراقة الخاطفة، وقد ساهم بعض الإعلاميين العرب في تزيين هذه الصورة وخلق الوهم كما يخلقونه حول أنظمتهم الإستبدادية باعتبارها ريادية في الحريات أو الحداثة أو مقاومة العدو الصهيوني، ولعلنا جميعا نتذكر بداية التسعينات حين كان يصر الكثيرون على أن الجماعات الإسلامية في الجزائر من غير الممكن أن تكون هي الحاملة للسلاح ضد إخوانهم، حتى بهت الذي كفر بعد 11 سبتمبر وكيف أن السعودية معقل المرجعية السنية الوهابية تعاني اليوم من الإرهاب.
    صحيح أن التجربة الجزائرية اليوم في الديمقراطية متقدمة خطوات عن بعض البلدان العربية من دون المزايدة والتفاضل الذي هو عملية عقيمة يقوم بها بعض القادة العرب حين الحديث عن بلدانهم أو بعض المثقفين الواهمين، مازلنا نتحدث اليوم مثلا بمرارة كبيرة عن أكثر من سبعة آلاف مفقود في الجزائر، وعن التعسف في إستخدام السلطة وسجن الصحفيين والتضييق في الحريات.
    ﴿4﴾
    بلغة مفهومية فوكوية نحن محتاجون إلى لغة حفرية أركيولوجية للكشف عن باطن الإستبداد والتسلط في ظاهر من قبله الديمقراطية، وحرية الإعلام وحقوق الإنسان، ففي أزمنة تاريخية تكون العملية معقدة وصعبة في كشف النقيض الداخلي وفهم آلياته في خارج يبدو للعيان واضحا وبراقاً، وهو تداخل تجيده السياسة ليس كفن كما قيل، ولكن كحيلة ودهاء ومكر، كلعبة غير شريفة، هم – أي السّاسة- كلاعبين يخفون منشطات نجاحهم، يخفون زيفهم، إن السلطة العربية عندنا تخفي هذا الباطن في مراحل تاريخية معينة، كما تخفي الهوامش والأطراف وتقمعها لتبقي على المركز وقوته وهيمنته، وتصور الهوامش والإختلاف مصدر خطر على الوحدة الوطنية والديمقراطية والتقدم، فقوى الهوامش والأطراف (22) في علاقاتها الصراعية والإختفائية والجدلية مع قوى المركز ينبغي دراستها تاريخيا واليوم، فهناك حسب أركون قوى أربع تحاول تهميش قوى أربع أخرى وتحولها إلى بقايا لاحول لها ولاقوة، وهي – تشكيلة الدولة ضد مجتمعات قبلية مجزأة
    الكتابات المقدسة ضد الحالة الشفهية
    الثقافة الفصحى ضد الحالة الشفهية
    الاثذوكسية الديينية ضد الخروج على الارثذوكسية (23)
    وللكشف عن بعض هذه الممارسات الباطنية لقمع الحريات والإستبداد يمكن ذكر الأمثلة التالية:
    الوجه الخفي لإعلام مكمّمّ: رغم تميز الساحة الإعلامية بالتعددية والحرية وهو مكسب ديمقراطي دفع ثمنه كوكبة من الصحافيين الشهداء الذين راحوا ضحية العمليات العنفية، وهي تجربة متميزة في الجزائر، ولكنها ناقصة، لأن هذه التعددية لم تشمل إعلام الصورة، فمازال التلفزيون من إحتكار الدولة، وهو إحتكار قصدي، وقد لعب هذا الجهاز دورا كبيراً رغم تقليديته ومنافسة القنوات الأجنبية له دورًا في نجاح الرئيس الحالي في إنتخابات أفريل الرئاسية الاخيرة.
    الصحف الجزائرية كانت سابقا مصنفة على الشكل التالي:
    – صحف وطنية غالبها من القطاع العمومي، ومحكومة برؤية السلطة رغم الهامش الحر الذي تتحرك فيه كالمجاهد اليومي والشعب.
    – صحف ذات توجه ديمقراطي ليبرالي وهي الأكثر مقرؤوية، وكان ينعتها الطرف النقيض لها بالإعلام الإستئصالي اللأئكي، وبقي تأثيرها محصوراً في الإدارة وعند النخب، معظمها تصدر بالفرنسية، منها الوطن وليبارتي ولوماتن Liberté ,Le Matin.
    – صحف ذات توجه إسلامي- عروبي، وغالباً ماتكون عبارة عن أسبوعيات، إنتهى البعض بها الأمر إلى التوقف أو التوقيف، وبعضها تحول إلى تحالفات مع الصنف الأول خلال السنتين الأخيرتين.
    هذه الخريطة تعرضت إلى إنقلاب غريب، بعدما كان الخلاف حول القضايا الإيدولوجية والسياسية هو الذي يرسم الخلاف، أصبح الخلاف حول من مع الرئيس ومن هو ضد؟ هو الفيصل القاسم، فأصبحت الساحة ثنائية تناحرية، صحف تمجد المرحلة والوئام الوطني، وتم تمويل بعضها مادياً قبل إنتخابات أفريل 2004 الرئاسية، وصحف ترى في الوئام وسياسية الحكومة والرئيس تراجعا عن الديمقراطية، ومستقبلا شاحبا قد يعيدنا إلى الإستبداد الفردي.
    هذا القطاع محكوم بآليات قانونية ومالية تجعل من الصعب الآن المعارضة، من بين هذه الآليات، وضع مدونات قانونية تخص المهنة الإعلامية، بها مواد قانونية عامة تفتح مجالا واسعا للتأويل وتعسف القاضي في حالة إذا ماتوفرت الظروف السياسية على القمع والتضييق، إلى جانب خضوع الصحف لمطبعة الدولة الوحيدة، فيسلط على بعض مالكي هذه الجرائد سيف الديون تجاه البعض ويترك لأخرى الحرية وتسديد الديون متى شآت، وهذا وفقا لمواقفها من النظام والسلطة والرئيس، كما قد تلجأ السلطة إلى البحث عن ثغرات قانونية أو أخطاء يرتكبها الصحافيون المعارضون للزج بهم في السجون أو توقيف جرائدهم.
    مؤسسسات تشريعية ظاهرها الإستقلال: إن التنصيص على خلق غرفة تشريعية ثانية تسمى “مجلس الأمة” ثلث أعضائه معينون من الرئيس، كان القصد منها وضع عقبات أما إي إحتمال للمعارضة والضغط من البرلمان “الغرفة الأولى”، منذ صدمة فوز الإسلاميين في بداية التسعينات تشرّع السلطات قوانين تحت نفسية هاجس الخوف من الفوز بالاغلبية، وبالتالي لا تضع في الإعتبار ماتتطلبه العمليات الديمقراطية أو الشرط التاريخي للديمقراطية كممارسة، ولكن لوضع حد أمام إكتساح الإسلاميين للساحة السياسية أو تيار راديكالي آخر مهددا لوجود السلطة حالياً، إذن القوانين تشرع تحت هذا الهاجس الخوفي، وهذا مايخلق منها قوانين ردّ فعل ويكون فيها التحايل والتأويل الفاسد.
    فالخلاف السياسي والتباعد كان يفصل فيه الجيش سابقا، وهو قوة ترتدي حين التدخل قوة القانون وحماية الدستور أو ماسموه سابقاً “حماية الجمهورية”، التأويل السيء الغرضي حاضر دوما ولكل مرحلة لباسها، فهو ينتقل من الحفاظ على قيم الثورة سابقا إلى الحفاظ على الجمهورية إلى الحفاظ على إحترام القانون، يفصل فيه قانونيا ولكنه في عمقه فصل ضدّ القانون، لأنه حشر لخلاف لم يسوّى سياسيا، ومعروف أن العمل السياسي له قنواته ومعجمه ومرجعياته.
    كما أن المؤسسات التشريعية محكومة بآليات تجعل منها خادمة لمصالح المجموعات وليس للدولة، ويمكنني أن أعطي هنا مثالاً على الإنتخابات البرلمانية التي باتت منفذا للفئات الوسطى المقهورة لتحسين ظروف معيشتها أو للدخول في شبكة المصالح والريع، وهي فئات أغلبها قادم من قطاع التعليم، كما أنه بالنسبة للأحزاب المرتبطة بالرئيس يكون إختيار المترشحين النواب سواء في المجالس البلدية والولائية أو المجلس الوطني، خاضع لموقف التقارير الأمنية، وأحيانا لتزكيتها، أم في جهاز العدالة فهناك آليات قد تؤثر على مساره، كترقية القضاة الخاضع لعامل الخنوع للسلطة ولجماعات المصالح، فالقاضي يبقى تحت رحمة الراضين عنه أو الساخطين عليه، ولنتذكر هنا ماجرى من خلاف حول نزع الإعتماد لحزب جبهة التحرير الوطني وحلّه حين أعلن أمينه السابق جبهة الحرب ضد رئيس الجمهورية.
    تدجين الأحزاب وابتلاعها: الظاهرة الحزبية اليوم لم يعد لها من التاثير بعد أن تحول بعضها إلى لجان مساندة للرئيس، أو أضعفت من يشهر سلاح المعارضة، فهل يمكن القول أن التجربة الخلافية التناحرية السياسية الحاصلة في بيت “جبهة التحرير الوطني” والتي إنتهت إلى تجميد نشاطه وأرصدته من طرف القضاء الجزائري، تعبير ممسوخ عن التدني في الممارسة السياسية والديمقراطية؟ كونه كان بدءً خلاف حول “شخص الرئيس” الحالي للجمهورية؟، فهو الإنزياح الفاسد سياسياً نحو الأشخاص بدل البرامج والإيديولوجيات والأفكار، وهي مساحة تتسع لتنتقل إلى مستويات أخرى في العلاقات المدنية والإدارية والسياسية، ليصير مفصل الخلاف هو: من مع الرئيس ومن هو ضد؟ إنه مستوى إبتذالي سياسي لايخدم لا التجربة الديمقراطية المخفقة في الجزائر ولا حتى الرئيس في حد ذاته أو برامجه أو مشاريعه، إن لحظات التقدم التي أنجزها بوتفليقة كالوئام وزيادة إحتياطي الصرف مثلا من المفروض أن تحمى ديمقراطياً، وأن يُدير التوازن في العملية الصراعية، لا أن أن يكون العمل على وأد الظاهرة الحزبية بتحويلها إلى أشبه بلجان المساندة أو يتم إبتلاعها.
    لم ندرك بعد جدل المباعدة والملاءمة، المباعدة عن مرجعيات تقليدية كالزعاماتية وتداخل السلطات وتأويل القانون لصالح القوي، وتغليب الدولة على الحزب وحشر الجيش في القضايا السياسية، وهي مباعدة مطلوبة اليوم لتكون الملاءمة مع قيم صاحبت هذه المظاهر ولم تكن نتاجها بل الظرف التاريخي وقيم الروح الثورية هي التي أشاعتها، كالرفض للحقرة والغبن وإحترام القادة التاريخيين وتبجيلهم وعدم الإنصياع للإملاءات الخارجية ونبذ العنف، ويكون كذلك التلاؤم مع عهد آخر لابد أن يقوم بعد هذه التجربة المرّة من التخبط وآلاف الضحايا وسنوات من العزلة الدولية، إننا للأسف أمة تتقدم خطوة إلى الأمام لترجع خطوتين إلى الوراء، إن طبيعة المصالح الريعية والمافياوية هي التي تجعل المجموعات الحاكمة تهاب المسار الديمقراطي وتتلكأ في الذهاب إلى الأمام.
    كما أنه للأسف في التركيبة البشرية لأحزاب التآلف الحكومية القائمة اليوم ثلث مناضليها من الإنتهازيين وثلث من الرّحل من حزب لآخر وثلث من الغوغاء.
    الهوامش:
    1- جون راولس، فيلسوف أمريكي رحل عن الدنيا نوفمبر 2002، كان أستاذاً بجامعة هارفارد، إلى جانب كتابه الأساسي الذي لقي رواجاً A Theory of justice الصادر عن المطبوعات الجامعية لهارفارد عام 1971، وترجم إلى الفرنسية عام 1987 عن دار ساي بباريس، “مناقشة حول العدالة السياسية، نقاش مع يورغن هابرماس” و”الليبرالية السياسية”، و”العدالة والديمقراطية” و”محاضرات حول تاريخ فلسفة الاخلاق”.
    ومن الأهمية نقل الكتاب الأساسي “نظرية العدالة” إلى العربية، لانه يسمح لنا بالإستفادة من العودة الغربية إلى نظرية العقد الإجتماعي ونقدها لتجاوز عصر الحداثة، ولنقد الليبرالية والديمقراطية المعاصرة.
    2- تشكل اليوم فلسفة التواصل أهمية في النوادي الفكرية والكتابات الفلسفية، وهي ذات جذور لسانية – تحليلية، وتراث تأويلي مثالي الماني، ويعتبر هابرماس وزميله كارل أوتو آبل من أبرز ممثلي هذه الفلسفة في الوقت الراهن.
    3- حنا ارندت إستطاعت في اطروحتها الأساسية كشف الانظمة التوتاليتارية وأصول الإستبداد، وهي مراجع كذلك مهمة لنا في فهم الإستبداد المعاصر وتنوع أشكاله، يمكن العودة إلى مؤلفها المركزي الكون من ثلاثة أجزاء:
    Les Origines Du Totalitarisme.
    4- صدر أخيراً كتاب ضمّ مناقشات بين هابرماس ودريدا، أدراتها جيوفانا بورادوري، عنوانه:
    Le « concept » du 11 septembre, tr,CH.Bouchindhomme, S.Gleize, Galilée, Paris ,2004
    5- شارل تايلور الكندي يطرح فكرته عن التنازع والإختلاف الناتج عن تهميش الأقليات اللغوية والدينية، ويعتبر الليبرالية بطرحها لما هو كلي تمارس الإرهاب والتعسف وهضم حقوق الأقليات، يمكن الرجوع إلى كتابه: تنازع وديمقراطية، الصادر عام 1992 بالإنجليزية وبالفرنسية عام 1997.
    6- لقد ظلت حقوق الجماعات اللغوية والدينية مهمشة، وبرغم الإعتراف وتفير جزء من الحقوق لهذه الجماعات تبقى تهديداً متواصلا للمركز، ويحمل بذور عنف من الممكن إنفجاره في أية لحظة، كما انه باسم الوحدة الوطنية ودرء الخطر الخارجي يتم قمع هذه المحموعات.
    7- إستعملت هنا “السنية المعثمنة” مااضفاه الأتراك في الجزائر على ترسيم المدونات المالكية الفقهية الممزوجة بالتصوف الشادلي، وقد ظلت بعض المدونات الفقهية تدرس لأربعة قرون طيلة العهد التركي، وهي اليوم تشكل ميراثاُ ثقيلا، لننظر إصرار البعض في رفض تغيير بعض مواد قانون الأسرة.
    8- يمكن العودة إلى بحثنا المنشور بالمستقبل العربي، عدد 2/1994 والمعنون ” الحداثة والفكر العربي المعاصر “.
    9- لم نعمل بعد على القيام بعملية تحليلية إكلينيكية لفهم الحالات المرضية لبعض زعماء العرب، وكذا تحليل الخطاب التعبوي – والإيديولوجي المحمل بقيم تراثية- أنثربولوجية تعمل على تسويغ الإستبداد والطغيان.
    10- هناك علاقة إرتباطية بين البلاغة والإستبداد في تراثنا العربية والإسلامي تحتاج إلى القراءة والفهم، وكذا اليوم، فباستخدام الإجتهادات المتنوعة لعلم اللغة والتداولية – البراغماتية- نستطيع قراءة وفك بلاغة الإستبداد والقهر.
    11- مامعنى أن يقول بعض مشايخ الزوايا هذه العبارة أو مايماثلها لرئيس الجمهورية: “لقد إختارك الله لنصرة هذا البلد وإنقاذه”، وماهو الفرق بين مثل هذه العبارة وعبارت الإسلاميين المؤلة للأحاديث النبوية، ومنها: أن شمس الإسلام ستطلع من الغرب، أو مايشبه هذا في المعنى.
    12- إن التصوف الإسلامي في جوهره الإبداعي الفلسفي يختلف عن الترهات والخرافات التي حاول بعض الطرقيين إلباسها للتصوف، ونذكر هنا تصوف الأمير عبدالقادر الذي فيه المقاومة والتسامح والإجتهاد.
    13- حول مفهوم ” الشر” من الناحية الفلسفية يمكن العودة إلى كتاب بول ريكور.
    14- في الوقت الذي نكتب فيه هذه المقالات هناك أربعة صحفيون في السجن، منهم إثنان مالكي لجريدتي “الرأي” و”لوماتن”، من الناحية القانونينة في قضايا تتعلق بالحق العام، ولكن وراء ذلك خلافيات سياسية لها تأثيرها.
    15- كانت لي تجربة مرّة إذ أقبلت على تأسيس يومية معربة باقتراح من أحد ملاك مؤسسة إعلامية، وتبين لي فيما بعد، كيف أن بعض هذه المؤسسات تتاجر سياسيا ولها إمتدادات ريعية مصلحية – تجارية مع القوى النافذة في السلطة، فعدت إلى المدرج وحمدت الله على رجوعي سالما دون التلوث مع هؤلاء الذين يتاجرون بالحرف ويساهمون في العفن.
    16- الإصلاح الذي تدعو إليه أمريكا في المنطقة العربية قد لاتختلف الأنظمة الجديدة التي ترضى عنها أمريكا عن تلك الموروثة من الإستقلال الوطني، والتي بقيت فيها آثار النمط الكولينالي.
    17- مفهوم “الهجانة” نستخدمه هنا بخلاف مضموني عن الذين إستخدموه في الجزائر من اليساريين الشيوعيين المستوحى من الأدبيات السياسية اليسارية الفرنسية.
    18- “العصب المقرصنة” ، بالرغم من قساوة هذه العبارة إستخدمناها، لأن فضاعة الواقع السياسي العربي أكبر، فالقرصنة السياسية هي إمتداد طبيعي لقراصنة البحر الأبيض المتوسط الذين ملكوا البلاد في عهود سالفة.
    19- منذ سنين عبر الجيش رسمياً عن عدم تدخله في السياسة، وهو موقف شجاع وديمقراطي، نتمنى فعلا أن تتغير الذهنيات التسلطية التي تحاول أن تجد في الجيش دائماً سندها.
    20- هناك ربط إعلامي مقصود بالصورة، وهو تكرار مشهد تأبين الهواري بومدين، حيث قرأ التأبين الرئيس الحالي، كما أن الصورة الفوتوغرافية التي استخدمت في الحملة الإنتخابية، هي صورته في السبعينات، وهذه دلالات لها تأثيرها البسيكولوجي.
    21- يمكن العودة إلى كتاب ميشال فوكو: أركيولوجيا المعرفة، والكلمات والأشياء، مترجمين إلى العربية.
    22- مفهوم “قوى الهامش والأطراف” إستعمله “بيير بورديو” وأعاد إستعماله محمد أركون.
    23- محمد أركون، قضايا في نقد العقل الديني، ترجمة: هشام صالح، دار الطليعة، بيروت ط2 2000.
    ———————————————————————————–
    الدكتور بومدين بوزيد
    تاريخ الماده:- 2004-08-08
    مجموع المطالعات 12711396 الآراء المنشوره عدا رأي التحرير لا تعبر بالضروره عن رأي أسرة التجديد

    إعجاب

  8. شكر للصديق أحمد
    مع ملاحظة صغيرة أرجو منه امتحانها عندما يعود الى استخلاص النتائحج

    والملاحظة هي ان البحث في الظواهر الاجتماعية كالاستعمار والاسبداد والتحرر والاستقلال هي ليست مسائل فقط عقدية و ليست فقط ثقافية بل هي أولا وأيضا طرائق تشكل وصيرورة قانونية اجتماعية حيوية ولاتدرس من خلال الأقوال التي تعبر عنها فقط بل أولا من خلال القوى الاجتماعية او الحوامل الاجتماعية التي تتمترس مصالحها وراءها..
    إن .. المسألة في الاستعمار والاستبداد .. ليست مسألة كلمات وعناوين ومقالات .. بل مدافع وأواموا ورجال وعصبيات و توازنات قوى .. بالمقارنة مع محيطها.. وصلاحيات اجتماعية تتحول الى مصالح فكرية وثقافيه
    ولذلك فالمنطق الحيوي يعلمنا أنه عنما نقايس نصا او صورة او حدثا علينا ان نقايس كعبة المصالح التي يطوف حولها ..
    المقالات المذكورة تحتاج الى مقايسة نقد\ية معيارية حيوية

    وهي إبى الآن تسجل في مدخل الكعبة حالا صراعيا حيث عامة الناس لاتقبل الاستعمار والاستبداد.. ولاجديد في الموضوع
    لم يذهب اي من تلك المقالات إلى جذور منطق مصالحها ..ولم يتوقف ليعاين طور الاحتواء والتجديد والمستقبلية والعولمة الحيوية فيها
    ننتظر الاستنتاجات من الصديق أحمد ليكون بحثا رائدا
    من لديه علم الكيمياء والمنطق الحيوي لايستخدم السحر لتعرف ماهية المواد
    من لديه علم المنطق الحيوي يستخدمه لتعرف طرائق تشكل صلاحيات ومصالح الآراء ..
    البحث عن جذور الاستعمار والاستبداد في آراء الناس هو فعلا كما وصفه ماركس المشي على الرأس بدلا عن الاقدام
    ونرجو للصديق أحمد ان يتصل يفسم الأطراف الصناعية ليركب لتلك الافكار المشقلبة الكسيحة ماتتعكز عليه في قانون المجتمع وليس كلمات آحاده .. او آراء ترمي في مقهي على رصيف التسلية

    شكرا مرة أخرى ننتظر المزيد ولكن الاهم ننتظر الاستنتاج
    فالعلم مراقبة وبحث عن قرائن وانت تفعل مايتوجبه العلم بالشيئ ابتداء من شعور الناس به .. والمطلوب الصعود الى قانونه وتحديد ابعاد طريقة تشكله وظهوره وتنوعه وزواله..
    أليس كذلك؟؟
    رائق

    إعجاب

  9. fromRaiek Alnakari
    toAhmed Barbour

    dateThu, May 7, 2009 at 2:09 AM
    subjectRe: دراسة موجزة للقابلية للاستبداد_1

    عمل ممتاز
    ولكن كنت أرجو ان ترد على موضوع المعتزلة او على ماكتب عن مالك ابن نبي
    لآن اي تعليق تسأل عن فهم الآخرين يثير اهتمامهم
    أنا اخاف من نفسي عندما تكون الموضوعات طويلة ودون اشراك رأي مناقض. والحسن يظهر حسنه الضد
    وفي كل الأحوال سأرى كيف تنشر ولكني مع كثير من القراء نتشوق لرأيك في ماعرض عن المعتزلة و عن مالك

    وتصبح على خير

    إعجاب

  10. dateThu, May 7, 2009 at 12:08 PM
    subjectRe: دراسة موجزة للقابلية للاستبداد_1
    mailed-bygmail.com

    May 7 (2 days ago) Reply

    الاخ رائق
    ليس هناك اي ضرورة للالتزام بنشر اية مقالة ارسلها اليك على موقع
    مدرسة دمشق. فالامر يعود على المشرفين على هذا الموقع في مثل هذه
    الموضوعات, ولكنني اتابع هذه الموضوعات وغيرها مع بعض الاصدقاء
    من اجل انشاء ارضية مشتركة لكثير من المفاهيم المتداولة على الساحة
    العربية والاسلامية بدون اصول فكرية
    اما موضوع مالك وردك علي فسوف اعود اليه بعد هذا السرد لبعض المقالات
    التي تناولت هذا الموضوع, وماهو القاسم المشترك بينهم, وماهي الاصول الفكرية وراء
    مثل هذه الطروحات لموضوع واحد, وهل هناك حقيقة اسمها “القابلية للاستعمار” ام ان هناك
    موضوع اعمق واوسع من هذا المفهوم الذي طرحه مالك؟
    وشكرا على بقية الموضوعات الهامة التي بدات تظهر والتي تدل على
    حيوية الموضوعات المطروحة واهميته وسوف اشارك بها ان وجدت الوقت
    والحيوية الدافعة لذالك وخاصة ونحن في نهاية العام الدراسي
    واسلم لاخيك احمد

    إعجاب

  11. في المقالات السابقة غياب كلي تقريبا لأي تعبير عن الحوامل الاجتماعية للاستعمار والاستبداد
    فالمستعمر يقوم بالاستعمار اغتمادا على قوى بشرية يسلح استعداد للغزو واحتلال اراضي الآخرين
    والمستبد أيضا يقوم بالاستبداد من خلال التحالف مع قوى ذات مصلحة في التخالف معه ولديها صلاحية مساعدته واالتماهي مهع رموزه ..
    مثل هذه القضيا لاينتبه اليها اي من المقالات لاعند مالك بن نبي ولاغيره .. فالحديث عن المجتمعات لايميز فيها بين قبائل وغشائر وحضر وريف ومتعلمين واميين واغنياء وفقراء وعرب وبربر .. الخ
    ليس المقصود إثارة كل ذلك بل الاهتمام بصراع وصيروة قوى الشخصنة والتفرد في كل مجتمع ..

    الدول والمجتمعات تتغلب فيها قوى الشخصنة عادة لكونها قوى استقرار وتشبث وجمود وعائد مضمون وغصفور في اليد خير من عشرو على الشجرة
    قوى التفرد على العكس من ذلك؟؟ولكن اين هي.
    هذاهو السؤال الكبير
    المجتمعات العربية تخلو تقريبا من قوى تفرد ذات حوامل اجتماعية قادرة على الاحتواء والتجديد
    بالتأكيد تعد الاقليات من القوى الاجتماعية صاحبة المصلحة في التفرد والتجديد .. ولكنها عاجزة عن ذلك في مجتمعاتنا العربية والاسلامية لكونها تعاني من هيمة قوى الشخصنة فيها وهي شخصنة فئوية ضيقة عاجزة عن الاحتواء بل تتجه نحو الاستعلاء والصراع والاستئثار الأحادي بالمصالح

    في الدول الغربية وجدت قوى تفر عريضة والأهم قيادات تفردة شجاعة ذات تصميم حاسم واضح على الثوير والتنوير ودفت حياتها في سبيله .. اما في الجانب العربي الاسلامي فإن غلبة قوى الشخصنة في كل الفئات لايوازيها سوءا غير الاستعرار من التراث والاستغراب المخزي القائم على قدة الخواجة

    يرجى من الصديق مراجعة ذلك .. والتأكد على أن من يفقد الجرأة على الحق واجتراح برهان الحق ويستعد للموت في سبيل مايعده حقا ,,فإنه مع كل ثقافته يكون من أشد عوامل تثبيت قوى الشخصنة ؟؟
    لماذا لم يستطع مالك بن نبي المشاركة في جبهة التحرير؟
    هل اعتقا\ده بكون الجزائر من المجتمهات المحكومة من الاستعمار بسبب قابليته لذلك .. عاملا من عوامل تثبيط الهمة في المقاومة ؟؟
    يرجى التوضيح

    إعجاب

  12. من المفيد الإطلاع هنا على ماجاء في تعريف مادة: استعمار
    من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة

    الاستعمار (أو الكولونيالية من كلمة colonia باللغة اللاتينية) هو مصطلح يشير إلى ظاهرة سياسية، اجتماعية وثقافية تشمل إقامة مستوطنات أوروبية خارج أوروبا منذ القرن ال15 واستيلاء الدول الأوروبية سياسيا واقتصاديا على مناطق واسعة في جميع القارات الأخرى، بما في ذلك إخضاع الشعوب القاطنة فيها لحكم الدول الأوروبية واستغلال كنوزها الطبيعية وعمل السكان المحليين لصالح الدول الأوروبية. انتهى الاستعمار تدريجيا خلال النصف الآخر من القرن ال20 ولكنه يعتبر من أكثر الظواهر السياسية تأثيرا على صورة العالم المعاصر.

    http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%D8%B3%D8%
    AA%D8%B9%D9%85%D8%A7%D8%B1

    ونتمنى ان يزودنلا االصديق بربور بنقد ماجاء في هذه المادة بالمقارنة مع ماعرضته المقالات المطولة عن قابلية الاستعمار ولم يشير اي منها على علاقتها بتوازن القوى الفيزيائي العسكري ..
    كما نتمنى بحث مصالح الإستبداد من خلال صلاحية توازن القولى أيضا

    إعجاب

  13. اعزائي
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    مرفق مع هذه الرسالة المقالة الاخيرة حول دراسة موجزة للقابلية للاستبداد_2 وذالك لمتابعة المقارنة مع المقالات التي نشرت حول هذا الموضوع من قبل بعض الكتاب العرب على الصفحة الاليكترونية
    الرجاء ارسال ملاحظاتكم وتعليقاتكم
    وشكرا

    دراسة موجزة حول مفهوم القابلية للاستبداد (2) وهذه مجموعة اخرى من المقالات حول القابلية للاستبداد لعرضها ومعرفة مدى ارتباطها بمفهوم مالك حول القابلية للاستعمار, او ارتباطها بمفاهيم اخرى.
    رابعا: ثقافة الاستبداد بقلم النائب محمد يتيم (4)

    يحاول الكاتب ان يشرح مفهوم الاستبداد في المجال السياسي يقوله: “يرتبط الاستبداد في الاستخدام اليومي بالمجال السياسي أي بالنزعة الهيمنية للحاكم المطلق أو الحاكم المتأله الذي يقول كما قال فرعون : ” ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد ”
    يشيرالكاتب الى ان القران الكريم هو اول من نبه الى مفهوم القابلية للاستبداد وثقافته بقوله: ” والواقع أن كثيرا منا وهو يستشهد بهذه الآية على مخاطر الاستبداد السياسي ، ويجعل بين فرعون وبين كل مستبد صلة نسب لا ينتبه إلى أن القرآن قد تكلم عن بنية الاستبداد وعلاقات الاستبداد ، أي عن مظاهر متعددة للاستبداد أنتجت أو كانت نتيجة للظاهرة الفرعونية ومن ثمة عن الاستبداد كظاهرة مركبة . فالقرآن الكريم قد أثار الانتباه إلى القابلية للاستبداد ومن ثم إلى ثقافة الاستبداد كظاهرة كانت سائدة في المجتمع المصري آنذاك حتى إنه لم يسلم منها إلا القليل ومن هذا القليل ذاك الرجل المؤمن الذي كان يكتم إيمانه وجاء يستنكر المؤامرة ضد موسى، وفي ذلك دليل على جو الاختناق السياسي وسيادة نزعة الاستئصال ،ومنه أيضا امرأة فرعون التي ضربت مثلا للذين آمنوا، ومنهم أيضا السحرة الذين كانوا متواطئين إلى آخر لحظة والذين كان يلزم معجزة العصا تتلقف ما يأفكون كي يفيقوا من سباتهم وتواطؤهم مع المستبد وينقلبوا بعد كفر مؤمنين مصدقين ، متصدين للاستبداد ومستعدين كي يؤذوا الثمن المترتب على ذلك .”
    ويقوم الكاتب بشرح اعمال فرعون مصر وزبانيته بقوله: “نتخيل تلك الجحافل من جند فرعون وشرطته وعسسه وهي تقتحم البيوت بأمر من فرعون تقتل الأبناء وتستحيي النساء ، حتى إنه لم ينج موسى إلا الإلقاء به في اليم بوحي من الله ، وما ألقاه الله في روع امرأة فرعون من عطف ومحبة للوليد المحمول في اليم حين قالت : ” قرة عين لي ولك لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه والده ” وما ألقاه في روع أمه من اطمئنان ” وأصبح فؤاد أم موسى فارغا إن كادت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها لتكون من المؤمنين ” إلى غير ذلك من تفاصيل العناية الإلهية . نتصور تلك الجحافل المتواطئة وهي تخوض حربا استئصالية على مولود لا لسبب إلا لأنه من المحتمل أن يكون هو الخطر المهدد لملك فرعون وخطرا على الاستبداد الفرعوني ، احتمال واحد على مئة ألف أو أكثر أو أقل يبرر استئصال جيل كامل من الذكور وتهديد توازن مجتمع بكامله مما يشير إلى أن الاستبداد أصبح بينة مركبة ، بل أنتج ثقافة بأكملها أصبحت تكيف المواقف والسلوكات اليومية للمواطن المغلوب على أمره .”
    ويحاول الكاتب ان يسقط الظاهرة الاستبدادية الفرعونية على الانظمة العربية الحالية وكيف يصبح الاستبداد ثقافة بقوله: “ونقف اليوم عند جحافل العساكر على طول العالم العربي وهي تتدخل لكسر عظم المتظاهرين المسالمين المطالبين بحقوقهم المادية أو المعنوية بلا شفقة ولا رحمة ، ونشاهد بعض اللقطات من صور التعذيب التي التقطتها عدسات بعض منسوبي الأجهزة الأمنية في بعض البلاد العربية في لحظات من صحوة الضمير ، ونقف اليوم عند إحدى آليات الفكر الاستئصالي القائمة على التعميم والصورة النمطية المتعمدة ، وكيف تحول عشرات من مناضلي الأمس إلى أوتاد في الأنظمة البوليسية والاستبدادية على طول العالم العربي ،كي ندرك أن الاستبداد قد تحول إلى ثقافة وكي ندرك العلاقة الجدلية بين الاستبداد السياسي والاستبداد كثقافة أي كسلوك اجتماعي يعبر عن نفسه عبر مستويات وتجليات مختلفة .”
    اذا ماهو سبب هذه الظاهرة في العالم العربي والاسلامي؟ يقول الكاتب: “ليس غريبا أننا ونحن نتلو في القرآن وصفا عن الاستبداد الفرعوني نقرأ عن هامان الذي يرمز إلى النفاق السياسي ، وكثير من المصائب في عالم السياسة اليوم مصدرها بطانات سوء لا تصدق في النصيحة للحاكم وتنقل إليه الصورة بشكل مزيف أو بالشكل الذي يخدم مصالحها وبالتالي فهي في كثير من الأحيان تأكل الثوم بفم الحاكم ، وتصبح ناطقة باسمه وتنقل عنه ما لم يقل بل تقوله ما تشتهيه وتريده . وتكشف عدة نماذج كيف أنه في كثير من الأحيان يضرب الحصار عن الحاكم حتى إنه لا يصبح قادرا على معرفة واقع بلاده وشعبه . ومما حدثنا به بعض الإخوة السوادنيين أنه لما دخلوا في تحالف مع النميري وانضموا إلى الحزب الاشتراكي الحاكم ، كانت تبدو من النميري تصرفات يبدو فيها التوجس والشك والحذر . وكان الإخوة السودانيون يبذلون جهودهم لطمأنته وتقديم الدليل تلو الدليل على صدق نيتهم لكنه كا يجيب الترابي قائلا بلغة سودانية : ” ولكن التكارير التكارير” أي تقارير الأجهزة الأمنية وكانت مخترقة بأعداء التقارب بين النميري والإخوان إلى انتهى الأمر بالنميري إلى الانقلاب عليهم والغدر بالميثاق الذي كان بينهم .”
    ويحاول الكاتب ان يبين سبب القابلية للاستبداد بما يقصه علينا القران بقوله: “ورجوعا إلى نموذج الاستبداد الفرعوني نقول إن القرآن تحدث أيضا عن تواطؤ أصحاب المصالح والامتيازات المالية كما يظهر ذلك في حديث القرآن الكريم عن البغي القاروني حيث قال : ” إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء العصبة أولي القوة …” والأهم من ذلك أن القرآن الكريم قد ركز على القابلية للاستبداد وأنه ما كان للنموذج الفرعوني أن يستقر لولا إذعان قوم فرعون للاستبداد وخنوعهم له أي تحولهم إلى جزء لا يتجزأ من منظومة الفساد واستفادتهم منه بشكل أو بآخر كما قال تعالى : ” فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوما فاسقين ” .
    ويصف الكاتب ظاهرة الاستبداد بانها ظاهرة مركبة بقوله: “الاستبداد ظاهرة مركبة وليس ظاهرة سياسية فحسب ، ولن ندخل من جديد في جدل حول أيهما يؤسس للآخر هل هو الاستبداد السياسي ، أم أن الاستبداد الثقافي والاجتماعي والقابلية للاستبداد هي التي تنشئ الأرضية للاستبداد السياسي وتجعله ممكنا ؟ لكننا نريد أن نؤكد على الاستبداد كظاهرة ثقافية آي كظاهرة تخترق السلوك الاجتماعي والاستجابات الجماعية، وفي هذا الصدد نؤكد أنه بالإضافة إلى الاستبداد النازل أي من الأعلى إلى الأسفل أي الاستبداد السياسي هناك الاستبداد الصاعد ( الثورات التي عرفها صدر الإسلام كانت استبدادا من القاعدة إلى القمة وليس العكس ) ، وعلاقات الاستبداد النازل يتم إعادة إنتاجها تنازليا عبر مختلف مستويات السلطة إلى أن تصل إلى الأسرة . وهناك الاستبداد الأفقي أي الاستبداد بين الأقران وبين المستبد بهم والذين يعانون من الاستبداد السياسي ( أنظر مثلا علاقات الاستبداد بين المتسولين بأبواب المساجد ) . وفي المقابل فإن التربية الاستبدادية أي العلاقات الاستبدادية داخل الأسرة تعيذ إنتاج القابلية للاستبداد وتستديم الاستبداد السياسي ، ومن هنا أهمية المدخل التربوي في الإصلاح السياسي والاجتماعي .”
    ويستنتج الكاتب ان مقاومة الاستبداد تحتاج الى نضال على كافة المستويات بقوله: “والخلاصة أنه إذا كانت مقاومة الاستبداد تتطلب نضالا سياسيا ، ومقاومة مراكز مقامة التغيير وأركان الفساد المتواطئة مع الاستبداد أي الأوضاع غير الديمقراطية فإنها تتطلب أيضا نضالا على مستوى الجبهة الثقافية وعلى مستوى الجبهة التربوية أي إعادة بناء قيم الحرية والاستقلالية والعزة والكرامة الإنسانية ومقامة قيم الخنوع والتبعية والطاعة غير المبصرة والنفاق الاجتماعي والانتهازية والوصولية ، وهي جبهات لا تقل خطورة عن جبهات النضال السياسي ، وهي جبهات قد تكون بعض جوانبها داخل المنظمات.”
    ————————————————————————————————
    خامسا: استعادة الكواكبي في زمن الاستبداد بقلم عبد الرحمن حللي (5)

    يتحدث الكاتب عن تفرد الكواكبي في شرح الاستبداد بقوله: “وينفرد الكواكبي في استعادته مؤخراً بخصوصية الإجماع على الهموم التي عالجها وراهنيتها وبشكل أشد في العصر الراهن، فلئن اختلفت التيارات الفكرية في قراءة الكواكبي وتوظيفه وتصنيفه، فإنها تجمع إلى أولوية وراهنية القضية المركزية التي اشتغل عليها وهي الاستبداد، إذ كان أول من دشن دراسة هذه الإشكالية في الفكر العربي والإسلامي الحديث، فقد اكتوى الجميع بنار الاستبداد وما يزال يفرض نفسه بأسماء وألوان كثيرة وبمستويات مختلفة في العالم العربي خصوصاً.”

    وبقول الكاتب ان الكواكبي لم يستطع وصف الدواء للخروج من هذا الاستبداد: “أثار استحضار الكواكبي السؤال والجدل حول كيفية التعامل مع الاستبداد اليوم، فالكواكبي إذ أثار الموضوع ووضع يده على الداء لم يقدم بنفس الوضوح طرق الخروج من أتونه ومكافحته، فطبيعة العلاقة بين الاستبداد والفتور – أو ما يمكن تسميته القابلية للاستبداد(استعارة من مقولة مالك بن نبي القابلية للاستعمار)- أيهما سبب للآخر؟ كانت غامضة في طرح الكواكبي، وهي مثار جدل اليوم في الحديث عن أدوار السلطة والمعارضة حول قضية الديمقراطية ومستلزماتها في المجتمعات العربية.”

    ويتحدث الكاتب كيف امضى الكواكبي حياته في مقارعة كثير من انواع الاستبداد فبقول: “ولئن تحدث الكواكبي عن الهجرة من بلاد الاستبداد فإن حديثه لم يكن هروباً من مقارعته فقد اضطر إليه من خلال تجربته إذ أمضى حياته في مكافحة الاستبداد ونصرة المظلومين، بل إنه أسس مكتباً في حلب -التي احتفت به مؤخراً بمناسبة كونها عاصمة للثقافة الإسلامية- لاستقبال شكاوى ضحايا الاستبداد وسعى إلى مساعدتهم والدفاع عنهم في المحاكم، كما أنه في بحثه قضايا النهضة قد ركز بشكل أساسي على تجفيف ينابيع الاستبداد ودعائمه التي يستند إليها، فركز على الاهتمام بالتعليم وتعميمه بحيث يشكل حصانة لدى الأجيال ضد الاستبداد، كما ركز نقده على الاستبداد الديني وسلطة مشايخ السلاطين وتوظيف السلطنة العثمانية للدين والمماهاة بينه وبين قراراتها، فدعا الكواكبي إلى الفصل بين الدين والمُلك أو السلطان، لينزع شرعية أي تبرير ديني لقرارات السلطان المستبد، هذه الدعوة التي عممها البعض وفهمها خطأ على أنها دعوة للفصل بين الدين والدولة.”

    ويتسائل الكاتب ماذا قدم الفكر العربي والاسلامي من مشروعات للخروج من الاستبداد, فيقول: “لكن السؤال الأهم اليوم لا يدور حول طبيعة رؤية الكواكبي لمكافحة الاستبداد، إنما حول ما قدمه الفكر العربي والإسلامي من مشروعات للخروج من الاستبداد بعد مرور أكثر من قرن على طرح المسألة في قائمة أولويات قضايا النهضة، بل إن الأخطر ليس غياب هذه الرؤى، إنما تحول الكثير من التيارات والنخب العربية إلى حليفة للاستبداد بل وقائمة به، سواء بالقوة من خلال الإمساك بزمام السلطة أو بالتهم من خلال التخوين أو التكفير وقائمة التهم تطول وطنياً ودينياً، والأغرب من كل ذلك أن يحذِّر أعمدة الاستبداد والقائمون على الحكم بالقوة وأعوانهم من مخاطر الاستبداد، في محاولة للهروب إلى الأمام.”

    ويستنتج الكاتب ان الاستبداد لايمكن اقتلاعه الا بواسطة ابنائه فيقول: “وقد هبت رياح الديمقراطية مع التغييرات القسرية التي اجتاحت أجزاء من العالم العربي فاستبشر بها الكثيرون لكنها كانت رياحاً موسمية لا تخلو من أمراض تحملها فيروسات هبت معها، لتؤكد من جديد أنه ما حك جلدك مثل ظفرك، وأن الاستبداد الذي يجد جذوراً في أرض ما لن تقتلعه إلا ما تنتجه الأرض نفسها من أفكار ورؤى، وهذه الأفكار بدورها لن تجدي ما لم تتحول بالمبادئ التي تدافع عنها إلى قيم جوهرية في قناعة الناس لصيقة بقيم العرض والكرامة. ولئن تأخر الفكر العربي والإسلامي في هذا المجال تنظيراً وتطبيقاً فإن الإدانة ينبغي أن توجه أولاً إلى المتهم المتفق عليه، ففتور المجتمع إن كان يوفر بيئة للاستبداد فإنه لا يصلح بأي منطق أن يكون مبرراً له، فالحاكم قادر في أي لحظة أن يوفر المناخ لبدائل الاستبداد، أما المجتمع والنخب فقدرتهم على ذلك تتوقف على معطيات كثيرة أهمها مستوى الاستبداد والأبعاد التي يمكن أن يتجه إليها في الظلم. إن استعادة الكواكبي اليوم مهمة ومؤنسة في آن، مهمة لأنها تحرك أفكاراً لم يعالجها الفكر العربي والإسلامي إلا ضئيلاً وعلى الورق وبدأت أسئلة جدواها في الواقع تطرح، وسيرة الكواكبي مؤنسة أيضاً لأنه نموذج عملي لمقارعة الاستبداد وضحاياه.”
    ————————————————————————————–

    سادسا: القذافى من صنع الشعب!! (6)
    “جريمة أن تسرق وطنا … جريمة أكبر أن تصادر حرية المواطن”!!
    بقلم د. جاب الله موسى حسن

    يتحدث الكاتب عن الشعب الذي يخلق الاستبداد بقوله: “تُساهم الشعوب في خلق حكم الفرد أو على الأقل في أن تجعل الطريق أمامه ممهدا لان يتحول أمام عجزها وتهاونها في حماية حقوقها وحرياتها إلى الاستبداد بالسلطة والرأي؟!!
    ويكاد الكاتب الفرنسي السياسي المعروف الكسيس دي توكيفيل يجيب على هذا السؤال وان لم يكن بطريقة
    مباشرة فيكتب منذ قرن من الزمان “انه لمن العسير علينا أن نتصور كيف أن أناسا تخلوا تماما عن عادة حكم أنفسهم بأنفسهم يمكنهم أن ينجحوا في حسن اختيار الذين سيتولون حكمهم ويدبرون أمورهم فليس ثمة شخص واحد يستطيع أن يعتقد أن حكومة متحررة رشيدة يمكن أن تنبثق من شعب مغلوب على أمره”!!
    واذكر أيضا أنني قرأت في السبعينات مقالا يتحدث عن الثائر المكسيكي الشهير “زباتا” حيث يقول كاتب هذا المقال أن الشعوب في المراحل الأولى من تطورها السياسي يبهرها في الزعامة بسط الجسم وجهورية الصوت أي المواصفات البدنية والقوة الجسمية اكثر مما تُعني بالمواصفات الذهنية والأخلاقية ومستوى الذكاء.!! يا سبحان الله!!”

    وهنا تظهر قابلية االشعب للاستبداد, كما يقول الكاتب: “فنحن إذا جمعنا بين ما كتبه الكاتب الفرنسي وبين ما كُتب عن الثائر المكسيكي ربما استطعنا أن نخرج بما يقرب من التعريف بما نعنيه بقابلية الشعب الليبي للاستبداد فطول الخضوع للقهر والاستبداد والذل والهوان وإفقار برقة وتجويع أهلها قتل في شعبنا القدرة على ممارسة حقه الطبيعي في الاختيار وخل بالفطرة التي خلق الله الإنسان عليها، بل انه حرمه من نعمة الأهلية للتعامل السليم والعقلاني بالضرورة مع حقائق الوجود!! ”

    ويتحدث الكاتب عن المثقفين والكتاب ورجال السلطة الذين يزينون هذا المرض للناس بقوله: “ولابد أن نخص الكُتاب المسترزقين والدهاقنة والمنافقين من أمثال ……….. الذين يتولون مهمة تزيين هذا المرض النفسي والمتمثل في الشذوذ عن الفطرة التي خلق الله عليها الإنسان بغلاف من التبجيل وترديد مقولات القائد النصف أمي حتى تسهل عليهم وعليه مهمة نشر جرثومة المرض لا على انه داء وشذوذ و إنما دواء وعلاج لكل الأدواء. لابد أن نخص هؤلاء بجانب كبير من المسئولية في انتشار هذا الداء.هؤلاء الكُتاب المأجورين لا غنى للقذافي عنهم، بل يدللهم ويضعهم على الحجر (بكسر الحاء) لأن القذافي وجد فيهم ميز التلذذ بالسلطة وحب المال وكذلك أكثر الناس حاجة إلى التمسح بالأحذية ومسح الجوخ لاستكمال نقائصهم البدنية والنفسية وإخفاء ضعفهم بالتستر وراء قمع القذافي وجبروته!!
    ويتحدث الكاتب عن ان مرض القابلية للاستبداد عند الشعب لايقل تاثيرا عن فعالية المستبد, فيقول: “والذي يجرى في جماهيرية الخوف هو في الحقيقة من أعراض وتداعيات مرض القابلية للاستبداد إذ أصبح شعبنا مطيه سهلة للطغاة من اللجان الثورية وصغار المستبدين من شراذم الدعم المركزي الذين يتقاسمون بينهم مقدرات الوطن،وكلها عصابات تتلذذ بالهدم والقتل والتخريب وتعده مصدراً للقوة ومعياراً للثقل والوزن السياسي!!
    “ولهذا فإن من يقرأ كتب السياسة قديمها وحديثها يجد من كتابها من يُحمل المجتمعات المريضة بمرض القابلية للاستبداد مسئولية لا تقل كثيرا في مقدارها عن مسئولية الحاكم المستبد أو الطاغية فظاهرة الاستبداد وليدة طرفين نزعة الاستبداد عند الحاكم والقابلية للاستبداد لدى المحكومين. وكثير من الأعراض التي تعالج كعيوب سلوكية وظواهر اجتماعية ويتناولها الكتاب كنوع من النقد الاجتماعي هي في الحقيقة الأمر وليدة استشراء جرثومة القابلية للاستبداد لأنها تصيب مركز الإنسانية في الإنسان وهو العقل فتصبح الغرائز والحسيات هي المتحكمة!!”

    ———————————————————————————————

    سابعا: الاستبداد وحكم التغلب في أنظمة الحكم العربية المعاصره” (7)

    الوجه الباطني للإستبداد والتسلط في طبيعة السلطة السياسية العربية: قراءة في التجربة الديمقراطية المتعثرة في الجزائر, بقلم الدكتور بومدين بوزيد في مشروع دراسات الديمقراطية في البلدان العربية
    اللقاء السنوي الرابع عشر 28/8/2004م

    يتحدث الكاتب, في هذه المقالة الطويلة والهامة عن موضوعات متعددة, مدعما مقالته هذه بمجموعة كبيرة من المراجع. ولذالك سوف اقوم بتلخيص اهم نقاط البحث في هذه المقالة بدون ذكر للمراجع التي ذكرها الكاتب.
    (1) يتحدث الكاتب عن مفهوم جديد يسميه “عقلانية المعلوماتية”.
    (2) يتحدث الكاتب عن فلسفة النهايات الحضارية.
    (3) يتحدث الكاتب عن الخلط وإزالة الحدود الفاصلة بين الأنظمة الفكرية أو الدينية أو الشعائرية
    (4) يتحدث الكاتب عن الأزمات المنهجية والمفهومية في الفكر العربي المعاصر
    (5) يتحدث الكاتب عن الإجنهادات المتنوعة اليوم في حقلي الفكر السياسي والأخلاقي- الإيطيقي في الغرب فيقول: “يمتد فضاءها النصي والممارساتي من الأنواريين في العصر الكلاسيكي كـ”مل” و”جون لوك” و”روسو” إلى أبرز مفكر أمريكي اليوم “جون راولس” John Rawls صاحب كتاب “نظرية العدالة”. ….. كما يتم التوجّه نحو مايسمّى “إيطيقا السياسة” أي البحث في قيم وأخلاقيات الممارسة السياسية،

    وهذا له علاقة أيضا بمايسمّى “أخلاق وثقافة التواصل” ….. وكانت الأطروحة المشتركة إعتبار الأنظمة التوتاليتارية التي أنتجت الحربين العالميتين رمزاً للشر بل هي الشر بتعبير صاحبة أشهر نظرية حول الأنظمة الشمولولية “حنا أرندت”. ….. مايلفت الإنتباه في المراجعات والإجتهادات الحاصلة في مثل هذه الأعمال: هو نقد الليبرالية المعاصرة واعتبارها منحرفة عن المبادىء الإنسانية التي قامت من أجلها، سواء في تحويل المواطن إلى أداة كبقية الأدوات والتكنولوجيا، وقهره داخل المؤسسة، ومن هنا الحديث عن العدالة بمعنى إعادة فرديته وإنسانيته في مؤسسات عادلة تتواصل معه كإنسان، وهناك ايضاُ الإهتمام بقضية “الجماعية” أو “حقوق الأقلية، خصوصاُ اللسانية” ويعتبر الفيلسوف الكندي “شارل تايلور”.
    (6) يتحدث الكاتب عن المجتمعات العربية – خصوصاُ دول المغرب العربي- فيقول: “فمازلنا أمام خيار واحد، خيار النموذج الأنواري البحت في صيغته الفرنسية التي ورثنا جزءً منها رديئاُ، والمستهلكة تقليدا وتكراراً بوعي أو بغير وعي عند بعض ليبراليينا (المثقف أوالسياسي)، فهناك اليوم صيغ واجتهادات عديدة إلى جانب ميراثنا الحضاري، ولو أنه – أي هذا الميراث- في سنيته الرسمية المعثمنة.”(7) يتحدث الكاتب عن عملية التواصل أو القطع مع بيئتنا التاريخية وذاكرتنا ويقول بانه: ” يختلف من بلد عربي لآخر. ”
    (8) يتحدث الكاتب عن الصراع حول إمتلاك المقدس و إستخدامه, فيقول: “ان امتلاك المقدس تم إستخدامه من طرف النظام قبل المعارضة فهو أحد أبعاد الحقل السياسي ويشكل المخيلة الإجتماعية وينتعش من خلال جدل الحضور والإختلاف، ففي غيابه حضوره.” (9)

    يتحدث الكاتب عن التجربة الجزائرية فيقول: “ففي الجزائر ستبقى الهوية مصدراً للنزاع وقد يكون هذا النزاع إبداعياً إذا كان حضارياً وبوعي ولكن حين يصيرمتكئاً سياسياً أو لتحافظ بها الجماعات أو الطوائف العرقية واللغوية على بقائها واستمرارها فإنه ينتج الصدام والعنف والإقصاء والكراهية،”(10)

    يتحدث الكاتب عن الثنائيات والتلفيقية فيقول: “إننا مغرمون بالأزواج (الثنائيات)، وحين تتعبنا أونعجز عن المخرج من المأزق نلجأ إلى التلفيقيةSyncrétisme ، هي أزواج مغلوقة وليست مفتوحة مفقرة، وحتى عندما يراد الخروج منها أو ترضية الأطراف المتناقضة يُنتهى إلى تلفيقية مبسطة – كما قلت- لا تغني ولا تسمن من جوع، إنها وسطية وهمية”
    (11) يتحدث الكاتب عن نمذجة التفكير فيقول: “إن النموذج حاضر دوماً في مناقشاتنا قد يكون عامل إبداع ولكنه في حالتنا معوقاً للتفكير الخلاق حين يكون تفكيرنا عاجز عن التفكير إلا ضمن النموذج، قد يكون ماضياً أو حاضراً وغالباً مايوقعنا في آلية التماثلية والمقارنة”
    (12) يتحدث الكاتب عن اللاإستقرار في العالم العربي, فيقول: “هنا معناه عدم رسوخ المؤسسسات وسيادة القانون، فهناك تداخل للصلاحيات والتاويلات الفاسدة للقانون، كما كان ومازال التأويل الفاسد للتاريخ والذاكرة، فلا فاصل بين المشرع والمنفذ والمعاقِب وتبرز هذه المظاهر أكثر في الدولة المفتقدة للشرعية الديمقراطية أو التي تنتقل إلى حصر السلطات في يد الزعيم، وفي مجتمعاتنا هناك سهولة في بروز الفردانية الملهمة الكاريزمية التي تكون مبشرة ومنذرة على الطريقة النبوية المهدوية، فهناك المكونات النفسية والإجتماعية التي يتم في أي لحضة إستدعاؤها وتنشيطها”
    (13) يتحدث الكاتب عن “وهم الدين”, فيقول: ” وغالبا ما تكون الشخصية المنفردة بالسلطة مريضة، فهي تسعى نحو القهر وترى ذاتها لها الفضل في التاريخ وتعيش وهم “الديْن” أي أن الآخرين عليهم دينا يردونه، فنكون علاقته بأمته علاقة مديونية، ويصاحب هذه الهستريا ثقافة وقيم تعمل على تنشيط مخيال الزعامة، وتصوره على أنه هو المنقذ، وتصوروا معي حينما يطرح السؤال التالي: وهل يوجد أفضل من هذا الحاكم؟ إنه الخطيب المفوه، هل يوجد بليغ مثله؟ لاحظوا مازال البيان سحرا عند مثقفينا وفي تنشيط مخيالنا، هي الخطابة التي يستمتعون بها ويتوهمون الخروج من التخلف والفوضى والعنف. …. أليس من العجب أن يُتصور لاحقا إنه ولي من أولياء الله مادامت المشايخ الطرقية يدعون له بالنصر؟”
    (14) يتحدث الكاتب عن مفهوم الشر, فيقول: “إن مفهوم الشررغم أصوله اللاهوتية والأسطورية يتكرر ويتجسد أساساً من خلال طبيعة الأنظمة، فالشر في الجزائر منذ سنوات هو الإرهاب والتسلط الذي قد يدمّر كل شيء، وهو تسلط مرتبط بمجموعات المصالح، فما معنى اليوم أن نتهاوى إلى هذا الحضيض وبدل الخلاف حول الافكار والقيم والمشاريع والبرامج نختلف حول الأشخاص فتكون العصبية والعشائرية وعقلية اللصوصية هي المستحكمة، والتطورات الحاصلة اليوم هي إنزلاقات خطيرة نحو ضرب مظهرين كان علينا تطويرهما وتحديثهما، الظاهرة الحزبية بتفتيتها وإفراغها من محتواها وجوهر معارضتها، والظاهرة الإعلامية بتكميم الأفواه وسجن الصحفيين.”
    (15) يتحدث الكاتب عن طبيعة الاستبداد في الانظمة العربية, فيقول: ” إن أنظمتنا العربية لم تستطع تجاوز الإستبداد كشكل تسلّطي أو كسلوك يومي في المؤسسات وحتى كثقافة وقيم، بل يتواجد أحياناً حتى في الأحزاب المعارضة التي تطالب بالديمقراطية، هي أشكال إنتقدها “عبد الرحمان الكواكبي” في القرن التاسع عشر ومازالت قائمة بل أحياناُ بصورة أسوأ، بعضها – أي هذه الأنظمة العربية- يتهاوى بفعل القوى الخارجية والضّغط الدولي.” …. ” هناك أنظمة عربية ذات طبيعة معقدة قد تتداخل فيها مراحل مواصفات سلطوية في وقت واحد وتنمحي التمايزات، قد يسميه البعض الهجانة ولكن يمكننا تسميته بـ”سلطة العصب المقرصنة” ، فليست بالأحزاب أو التنظيمات الواضحة، هي مجموعات تشكل عصب أو قبائل تتنازع حول المال والإستحواذ على مصادر القرار وبالتالي هي ذات سلوك قرصني مدمر، والمثال هنا الجزائر، التي يفاخر مسؤولوها وبعض مثقفيها العوام بالديمقراطية وأنها دولة المؤسسات.”(16)

    يتحدث الكاتب عن “المزاجية المتقلبة” فيقول: “قد يقع التعارض والتناقض في موقف هذا الحاكم أو ذاك على إعتبار مصلحي أو إستراجيجي وتكتيكي في مقارعة خصومه والإنتصار عليهم، ولكنه قد يعود إلى طبيعة مزاجية متقلبة يبيت على حال ويصبح على حال أخرى، يرضى اليوم عنك وغدا هو ساخط عليك، وقد كتب أجدادنا في نصوصهم الخاصة بالإمارة على أن هؤلاء قد يفسدون الملك والحكم ولزمهم الردع من المسشتارين والمقربين إذا كانوا مخلصين غير متملقين ومتزلفين وقد لاحظ ذلك “إبن المقفع” وغيره الذين عاصروا خلفاء وأمراء من هذا النوع، ”
    (17) يتحدث الكاتب عن ” الوهم بالمهدوية ” فيقول: ” نستعمل هنا المهدوية كحالة نفسية يشعر به الحاكم أو يعتقدها مناصروه، وليس كمذهب ومعتقد فلها سياقاتها التاريخية والثقافية، ولكنها حالة مركبة قد تنهل من المتوارث الديني والعاقائدي لفكرة المهدي المنتظر،”(18)

    يتحدث الكاتب عن الحاجة الى عمليات حفرية أركيولوجية, فيقول: “نحن في حاجة إلى عمليات حفرية أركيولوجية – بلغة فوكو- للكشف عن بنية الإسيتبداد في أنظمتنا العربية، وهذا يتطلب الإستعانة بالحقول المعرفية الإنسانية الجديدة كعلم الدلالة والأنثربولوجيا والهيرمينوطيقا واللسانيات وفلسفة التاريخ والمستقبليات، فتحليل الخطاب السياسي الرسمي أو المعارض يحتاج إلى فهم الدلالت وكشف البواطن من خلال منهجيات هذه العلوم الجديدة، وفهم السلطة العربية وتناقضاتها يقتضي ربط ذلك بالجذور والميراث التاريخي والتداخلات المالية والمصلحية والنفوذية، كما أن فهم طبيعة الحاكم – التي هي أحياناً مرضية- تحتاج كذلك إلى إعمال سرير إكلينيكي لتحليل الطبيعة الإستبدادية المرضية.” ……” بلغة مفهومية فوكوية نحن محتاجون إلى لغة حفرية أركيولوجية للكشف عن باطن الإستبداد والتسلط في ظاهر من قبله الديمقراطية، وحرية الإعلام وحقوق الإنسان، ففي أزمنة تاريخية تكون العملية معقدة وصعبة في كشف النقيض الداخلي وفهم آلياته في خارج يبدو للعيان واضحا وبراقاً، وهو تداخل تجيده السياسة ليس كفن كما قيل، ولكن كحيلة ودهاء ومكر، كلعبة غير شريفة، هم – أي السّاسة- كلاعبين يخفون منشطات نجاحهم، يخفون زيفهم، إن السلطة العربية عندنا تخفي هذا الباطن في مراحل تاريخية معينة، كما تخفي الهوامش والأطراف وتقمعها لتبقي على المركز وقوته وهيمنته، وتصور الهوامش والإختلاف مصدر خطر على الوحدة الوطنية والديمقراطية والتقدم، فقوى الهوامش والأطراف في علاقاتها الصراعية والإختفائية والجدلية مع قوى المركز ينبغي دراستها تاريخيا واليوم،”

    واكتفي بهذا القدر من التلخيص حتى يتم اللقاء حول مفهوم اخر جديد وهو: مفهوم القابلية للاستعباد.

    وللحديث تتمة
    احمد عصمت بربور
    العين في 15-5-2009
    ——————————————————————————————
    المراجع:

    (4) ثقافة الاستبداد بقلم الكاتب النائب محمد يتيم مايو, 2008
    http://yatimdepute.jeeran.com/archive/2008/5/563593.html

    (5) استعادة الكواكبي في زمن الاستبداد بقلم عبد الرحمن حللي
    في ملتقى الفكر والابداع, صفحة مدارس الاصلاح والنهضة
    08 Aug 2006
    http://www.almultaka.net/ShowMaqal.php?module=ceb8b64597afc8ed5085dd381d1a8616&cat=19&id=247&m=706a633594d8b6f63a9397f7b2dca3ef

    (6) القذافى من صنع الشعب!! بقلم د/ جاب الله موسى حسن
    ليبيا المستقبل منبر الكتاب
    http://www.libya-almostakbal.net/MinbarAlkottab/August/drJaballah060805.htm

    (7) “الاستبداد وحكم التغلب في أنظمة الحكم العربية المعاصره” الوجه الباطني للإستبداد والتسلط في طبيعة السلطة السياسية العربية: قراءة في التجربة الديمقراطية المتعثرة في الجزائر, بقلم الدكتور بومدين بوزيد في مشروع دراسات الديمقراطية في البلدان العربية
    اللقاء السنوي الرابع عشر 28/8/2004م, نشرت في موقع التجديد العربي, رئيس التحرير: د.
    يوسف عبد الله مكي, 06:55 الخميس 07 مايو 2009

    http://www.arabrenewal.net/index.php?rd=AI&AI0=5089

    إعجاب

  14. الإنسحاب المصري
    عــــلي الأمــــــين

    سقط الضفدع البدين وتبعه النحيف في وعاء الحليب ذي الحواف الزلقة، وراح المسكينان يصارعان أمواج الحليب علهما يخرجان من الوعاء العميق … ولكن عبثاً. هكذا نسجوا الحكاية. قال البدين للثاني “قُضي علينا يا صاح، ولا أرانا إلا هالكين، فكفاك وكفاني تشبثاً بحياةٍ قد فرَّت من بين أناملنا،” فرد عليه النحيف قائلاً : “ربما تكون قد حانت نهايتنا، غير أني لن أفارق الحياة باكياً مستسلماً، ولن أتوقف عن العوم حتى يتوقف قلبي وتفيض روحي.”

    وبعد ساعات من السباحة ومقاومة الغرق، أعلنها البدينُ صريحةً بأنه مستسلم لا محالة، فالحليبُ عميقٌ و الأملُ في الإنقاذ معدوم، فاستسلم للقدر الذي أراده محتوماً فمات غريقاً. وبقي الثاني يدور ويدور ساعاتٍ طوال دون أقل تفكيرٍ في الاستسلام، ومع استمرار الدوران بدأ يشعرُ بتصلّبِ الحليب شيئاً فشيئا بين قدميه ويديه، وإذا ببحرهِ الحليبي الهادر يتحول إلى زبدة لذةٍ للآكلين بفضل التحريك المستمر الناتج عن استمراره في السباحة، فما كان منه إلا أن تلمَّس مكاناً أشد صلابةً من غيره فقفز وكان من الناجين بدأبه وجدِّه وعناده.
    هل استحق الضفدع ُحياته فقط لأنه جَلِدٌ عتيد؟ ربما يكون عناده وصبره هما من أنقذاه، غير أني أراه محظوظاً كثيراً لأنه حظي بصحبةٍ مسالمةٍ كصحبة الضفدع المرحوم، الذي كان محترماً يرعى للصداقة حرمتها, ويقدر عالياً حرية الرأي، فهو لم يحاول على الأقل أن يثبِّط همة صاحبه، ولم يحاول أن يشنِّع عليه شجاعته التي اختار هو أن يلفظها من قلبه، والأهم من هذا وذاك انه من بعد تيقنه من مصيره، لم يتمسك بقدمي صاحبهِ حسداً وكمداً ليقتله كما قتل نفسه، بل مات بهدوء وسلام وربما باحترام.

    وكأني بعالمنا وعاء حليب فاسدٍ، وبعض أنظمة العربان ضفادع من بقية عائلة الضفدعين المذكورين أعلاه، ولكن عددها كبير وأشكالها متنوعة، فمنها السمين، ومنها النحيف، ومنها العجوز، ومنها اليافع، ومنها مابين ذلك صوراً شتى. و من بينها ما يبزٌّ ضفدعنا النحيفُ المقدام همةً وقوة شكيمة على الرغم من ضعفه وهلهلته وقلة ذات يده وحيلته، ولكن من بينها أيضاً دهريون سِمان بطان يجثمون على ما يسمى أم الدنيا والبلدان لا تأخذهم في الباطل لومة مسكين ولا استغاثة صابر، وقد اجتهدوا لإنجاح أجنداتهم الانعزالية وراق لهم السباحة والدوران لا لشيء إلا لأنهم أقسموا بأنهم سيُغرقوا كل من فيها ولا يستثنون إنسان طالما أنهم اختاروا القفز للأسفل لأنه ببساطة … أسهل.

    تُرى كم من الوقت يحتاج العرب لكي يسلّموا بأن زمان أول لم يعد الزمان الذي ظنوه؛ فهذا الزمان قد تحوّل، وكم خازوقاً يجب أن تدقه مصر الرسمية في مؤخرة العرب حتى يكفّوا عن اعتبارها أم العروبة وبيتهم الرحب وكنانتهم الحقيقية؟ وكم من الطعنات يجب أن يتلقى من كان يئن تحت وطأة ظلم العالم بأسره ومن كان تشغله قضايا العرب المحورية على مدى أربعة عقود متواصلة حتى يعترفوا بأن وجود أل فرعون مثل عدمه، بل إن عدمه يجعل الصورة أوضح للتمييز بين العدو والصديق.

    ففي حرب تشرين / أكتوبر، أوقفت مصر إطلاق النار مع صديق الغد، وتركت الجبهة السورية لقمة سائغة للجيش الصهيوني بطريقة غير مفهومة، ولم تطلق رصاصة واحدة، منذ ذلك التاريخ إلى هذه اللحظة، إلا في صدور بعض المصريين وكثير من الفلسطينيين. لم تنفع كل مطالبات السوريين بعدم وقف إطلاق النار إلا بعد التنسيق ولكن عبثاً، ونجحت مصر آنذاك بالحفاظ على مكانتها لأن العرب نظروا إلى مصلحتهم العليا في عدم فتح جبهات جانبية فتم استيعاب مصر و التجاوز عن تخاذلها الغير مفهوم، فكانت هذه لمصر الرسمية أولى بداياتها في الرقص الأرعن.

    ثم جاءت زيارة أنور السادات إلى حضن الصهاينة ليس طلباً للسلام كما زعم؛ بل إمعاناً في التأكيد أنه وزمرته خارج أي حلبة اهتمام بالقضايا العربية، وأن فلسطين وجوقة قضايا العرب الأخرى لا تهمهم إلا بقدر ما تهم مجموعة رواد ملهىً ليلي في قبو في البرازيل، فجاءت مكافئته بأن أوكلَ له الصهاينة مهمة حماية حدودهم الجنوبية بالعتاد والأفراد الذي رأوه مناسباً، ولحفظ ماء وجهِ ولحصد جوائز نوبل للسلام، جرت مسرحية مراسيم تواقيع الخروج المبدئي من همِّ الصراع العربي الصهيوني وتبعاته بحفلة توقيع معاهدة؛ دعيت معاهدة سلام. وهب العرب فأفردوه إفراد البعير الأجرب، وسرعان ما تغير ممثل النظام وتعاظم الظن بأن مصلحة العرب العليا تقتضي رد البعير للقافلة، فابتلع العرب السكين وجراحهم معها من جديد، و ردّوا بعيرهم إليهم عملاً بالمثل العربي الذي يقول بأن العفو من شيم الكرام.

    وأطلق الصهاينة شرارة حربهم على لبنان من قلب أم الدنيا، فقال صاحب بُعد النظر أبو جمال، إنما هذه الحرب على حزب الله – ذنب إيران – وليس على لبنان، و تَمَترَسَ خلف ما يُحرج بعض العربان وسلّم كل لبنان الصمود لبني صهيون، وراح يستقبل الوفود المبشرة بولادة الشرق الأوسط الجديد على يد “الداية” الموناليزا رايس، فاستحق وصف “أنصاف الرجال” هو وزمرته ومن دار في فلكه، ولكن ولسوء حظه، تعسَّرت الولادة وقُتل جنين السِفَاح قبل حتى أن يشتد الطلق، وظن العرب من جديد أن لكل بغلٍ كبوة، ولا بد لهذا الدرس من تأثير، ففتحوا الباب موارباً لعله يشهد إطلالة الأخ الكبير تائباً فالدرس كان قاسياً ، إلا أن الأحلام لا بد لها من نهاية… وبقي الباب ينتظر من يدخله.
    ومرة أخرى، قال أزلام “بروتس” الفرعوني لأهل غزة: اطمأنوا وقرّوا عينا فلن يؤذيكم الصهاينة في المدى القريب، وما كادت الرسالة تستقر في أذان معنييها حتى كذّبها فسفور حقد الصهاينة عبر طائراته ومدافعه ورصاص سفاحيه وراحت المنايا تحصد أطفال غزة على مرأى ومسمع من العالم، وعلى مرأى ومسمع من بروتس الذي لعب دوراً فعَالاً في قتل أكبر عدد من الفلسطينيين بدم الالتزام بمواثيقه مع الصهاينة، متناسيا أن اتفاقياته مع الصهاينة تشمل الأرض التي يسيطر عليها بني صهيون وليس الأرض التي يسيطر عليها بني جلدته. وبالرغم من محاربته لمؤتمر غزة – مؤتمر الخيط الأبيض من الأسود – الذي عقد في الدوحة، أبقى العربُ البابَ موارباً لعله يهتدي ويصحو، ولكن هيهات أن تكون هنالك من ردةٍ للآفلين.

    وجاء بناء الجدار الفولاذي كأحسن تعبير عن النيات الفرعونية القديمة بالخلاص من العرب ومشاكلهم برسم خريطة جديدة للجغرافيا والتاريخ دفعة واحدة وهي غايةٍ في التفصيل، فالهندسة إسرائيلية أمريكية، يفضحها مكان وزمان ومتانة الجدار الفولاذي وهي تضع حداً نهائياً لأي اعتبار تقليدي بأن مصر “خزان العرب الاستراتيجي” على المدى المنظور على الأقل. وقبل الجدار المادي، بنت الدرع الغير مرئي ضد كل محاولة إدخال أية مواد إنسانية تعين أهل غزة على العيش يوماً آخر بعزة، و العذر في هذه المرة عدم المساس بالسيادة الوطنية المصرية هو عذر أقبح من ذنب ككل مرة، وكأن هذه السيادة قرآن يتلى أو كعبة يُطاف حولها.

    ماذا يريد العرب حتى يعوا حقيقة خروج مصر من حلبة صراعهم الرئيسية؟ ألم يتجاوز إعطاء النظام المصري السبعين عذراً تبريراً لما يقترفه بين الحين والحين الأخر؟ ألم يكتفوا من تلقي الخوازيق المصرية التي مازالت أثارها مستقرة في جسد كل شريف ينطق بالعربية؟ هل يجب أن ينتظروا ما يُعِدّه النجل القادم على البساط السحري ليكمل مسيرة أسلافه بإفراغ “الكنانة” من السهام المسمومة ولكن في ظهور العرب؟ أم أن العرب اعتادوا على تلقي اللكمات كما اعتادوا على تبريرها؟

    ليست دعوة انفصالية، فلا وجود لوحدةٍ حتى يقال – انفصال، بقدر ما هي دعوة للتبصر بواقع الحال ووضع أجندات واقعية تسقط من حساباتها الرهانات الخاسرة التي تعتبر مصر حليفاً عربياً نزيهاً، فليس للتصرفات المصرية الرسمية تبريرات منطقية، غير أنها تمثل اكتمال مرحلة نسفِ أي أفضلية عربية من أولوياتها السياسية والإستراتيجية. ولا ضير في أن يبقى الباب مفتوحاً على مصراعيه للشعب المصري الذي لا يتوقف قلبه عن ضخ كثيرٍ من الدماء العربية الحية دون إذنٍ من فراعنته. وليسمح لنا من يؤمن بالتجاوز عن الأخطاء بداعي التاريخ العريق، بأن نقول له: لو كانت الشعوب تسود بتاريخها العريق لما وجدتَ لمن تسودُ حضارتهُ و ثقافتهُ وجيوشهُ العالمَ اليومَ ذكراً.

    أما آن لهذه الضفادع الصغيرة أن تكفَّ عن الاقتراب من هذا الضفدع العملاق ظناً منها بأنه المنقذ الوحيد؟ أما آن لها أن تفهم أنه بالاقتراب منه إنما تقترب من الموت الأكيد؟ إن اليوم الذي تتخذ فيه هذه الضفادع الصغيرة قرارها الصائب ليس ببعيد، بل هو قريب، وهي لن تلبث طويلاً حتى تقرر عدم انتظار تحول الحليب الفاسد إلى زبدة، وتتخلص من هذا “الصديق – العدو” الثقيل بان تطأ رأسه و تقفز من الوعاء إلى الحرية الحقيقة تاركةً إياه في قعر وعائه غير مأسوفٍ عليه إلى أن يأتيه اليقين.

    المقال منشور في موقع الحوار المتمدن
    http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=201067

    إعجاب

  15. قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه .نحن قوم اعزنا الله بالاسلام فإذا ابتغينا العزة بغيره اذلنا الله …و انها لحكمة …عد الى الله تمسح عنك صفة القابلية ..لان القابلية هي ذلك الفراغ الروحي الذي يتركه البعد عن الله في روح المسلم الذي كان منهاج حياته هو الطاعة .طاعة الله و الرسول .و الذي طبع على الطاعة .فاذا لم يطع الله بحث عن آخر ليحقق طبعه .

    إعجاب

أضف تعليق