مصالح ابن تيمية و صلاحيات ابن النقري !

المكرم العزيز د. رائق النقري
يفاجئني أن يفشل مبتكر المنطق الحيوي، أن يتحرر من الخطاب الفئوي ناقص الحيوية، وأن يتورط في ازدواجية المعايير التي يتورط فيها النظام الإعلامي العالمي.
فبحسب ظني وتصوري هناك مصادر محددة للإعلام في العالم هي التي تحدد وجهة الخبر في العالم كله، وهي التي تصنف بطرق مباشرة وغير مباشرة، المواد الإعلامية، وتحدد قيمتها، ومن ثم درجة الاهتمام بها في وسائل الاعلام، وهذا النظام قد تحدث فيه بعض الفجوات أحيانا لكن الحالة العامة – ومن خلال مشاهداتي – تبرهن فعالية هذا النظام وكفاءته، وكل ما يوجد من وسائل للإعلام في العالم تخضع بطريقة واعية أو غير واعية لهذا النظام، حتى القنوات العربية، بل وحتى القنوات الخارجة عن هذا النظام بما فيها محطة المنار التي أعتبرها قناة منضبطة برؤية فكرية إلى حدود عالية.
والذي يدفعني لكتابة هذا العتاب الخشن للأخ العزيز رائق أمور:
1 – العجز عن قراءة ابن تيمية قراءة حيوية تموضعه في الزمان والمكان، وتنظر لتاريخه مثلما ننظر لتاريخ أي رجل آخر، بحيث نتمكن من فرز الغث من السمين، والنافع من الضار، وحتى لو لم نر في فكره نافعا، ننظر إليه مثلما ينظر مصمم تويوتا للسيارة التي انتجها المعمل لأول مرة، منذ أزيد من نصف قرن، فلا يرى فيها عنوان إدانة ولا دليل تخلف! بل ينظر إليها من خلال زمانها ومكانها، فيتفهم ظرفه وظرف صانعيها فيتفهم قصورهم دون أن يقبله، وإذا كنت تريد أن تقول أن ابن تيمية يختلف عن سيارة تويوتا القديمة باعتبار حيوية فكره، وتأثيره، فأرجو أن لا تنس وأنت المفكر الحيوي الفذ، الآخرين الذي يقفون في الجانب المعارض لابن تيمية، وما يتركه فكرهم من أثر في الاتجاه المضاد، ففي الحرب الأهلية في سوريا، لم تكن الطائفية وحيدة الاتجاه، ولم يكن فكر ابن تيمية هو المولد الوحيد للجريمة، لكن بكل أسف فإن طرف واحد هو الذي يدان، ويجرم في خطابكم، وهذا لا يتناسب مع المنطق الحيوي!، وفي العراق هناك أكثر من ثلاثين جهاز أمن وهناك طائفة لها أجهزة أمن شرعية وغير شرعية، سرية وعلنية، ومجموعات مسلحة مختلفة كلها تمارس القتل وتتوجه أصابع الاتهام لفريق واحد!، وهذا ليس من الحيوية في شيء، ولا يتناسب مع المنطق الحيوي، ولا يمكن أن يوضع خطاب متورط في هذا المنطق في الدائرة الحيوية حتى ولوكان لصاحب النظرية الحيوية! 2 –

ثانيا فيما يتعلق بمسيحي العراق، أو أقباط مصر، أو أي منتمي إلى أي مذهب أو عقيدة أو دين أو لا ديني أو حتى عبدة الشيطان، لا يمكن من منطلق ديني بحسب فهمي للقرآن، وإيماني به أن يبرر العنف ضدهم، في أي مستوى ناهيك عن القتل، لكن هذا يختلف عن الاتهام المباشر من غير أدلة، ولا بينات، كل من يتورط في هذا واعيا أو غير واعي، هو من غير شك أداة في الآلة الإعلامية الغربية، التي تدشن مشروع حرب الحضارات من خلال استهداف الإسلام، كجامع لشعوب هذه المنطقة وكقاسم مشترك لها، والأمر كما يلي تحدث الأعمال الإرهابية بحق، فيتم إلقاء تبعتها على جماعة بعينها، لمجرد تهديد عبر النت لا يوجد دليل أكيد على الجهة المطلقة له، ثم يتم بعد ذلك ومن خلال إدانة هذه الجماعة وإدانة الدين الذي تنتمي إليه، ومن ثم الاستفادة منه على المستوى العالمي لضرب القضايا الإسلامية أو دعم السياسات الأمريكية، في الافغان والعراق، وفلسطين، وتستفيد منه الحكومات الأقلوية الفئوية العائلية في مجتمعاتنا لتبرير سياسات العزل والتمييز الطائفي ضد الغالبية العظمى من أبناء بلدها المنتمية للإسلام، بحيث تتحول الأغلبيات الطائفية في معظم البلدان العربية والإسلامية إلى ضحايا لاضطهاد أقليات طائفية أو فكرية أو دينة.
3 – إن مثل هذا الأسلوب في النظر والتحليل يقوم بعملية تعمية مزدوجة إذ أنه يقوم على المستوى العالمي بخدمة اجندة الاستكبار العالمي، ويقوم على المستوى المحلي بدعم اجندة الأقليات المستبدة المتحالفة مع العسكر والخارج، وفي نفس الوقت يقوم بإزاحة المشكلة باتجاه الاسباب غير الحقيقية فيزيد التشويش، ويشغل الناس في بحث الأسباب غير الحقيقة للمشكلات، وهكذا لم يتم البحث بعد 11 أيلول عن الأسباب التي تدفع أحدا ما لاستهداف الولايات المتحدة، حتى لا تسأل عن ممارساتها في العالم التي تجعلها محل استهداف، بل قامت بشيطنة الآخرين فعفت بذلك سلوكها من أي مساءلة، دون أن تعي أنها بذبك تطيل مأساة العالم، وتسمح بإمكان استهدافه من جديد، وكذلك في الحروب الأهلية في منطقتنا تكون ممارسات النخب السياسية فوق النقد، وتتم شيطنة الآخرين، وهكذا تبقى الأبواب مغلقة أمام أي اصلاح جاد ممكن، وتستمر الحلقة الجهنمية المغلقة، بين عنف المظلومين وطغيان السلطة وبطشها.
4– فيما يتعلق بحادث كنيسة النجاة في بغداد، لا أحد يعلم حقيقة ما جرى ولا من هي الجهة المنفذة، لكننا نعلم أن المجزرة حدثت بعد تدخل قوات الأمن! ولكن لم يعلق أحد على ذلك وكأن العملية بحد ذاتها لا قيمة لها، والمهم استخدامها!، وبعد مضى أكثر من أسبوعين تم إلقاء القبض على مجموعة (يشتبه) في أنها مرتبطة بالحادث وهذا على ذمة الجهات الأمنية العراقية، ولكن الاعلام العالمي والعربي كان قد قطع شوطا بعيدا في تحديد الجهة وترتيب المسؤوليات، والتشنيع على هذا الدين الذي تورط أتباعه الدراويش في القبول في الوقوع في فخ الدفاع عن جرم لا يوجد أي دليل على أن مرتكبيه ينتمون لهم بأي شكل! وهذ الأمر ينطبق على حادث كنيسة البشارة في الاسكندرية، فلا قرائن ولا بينات، ولكن هذا لم يمنع من توجيه الاتهام لجهة بعينها ومن ورائها لدين بعينه، رغم وجود قرائن ومناخات تجعل توجيه الاتهام لفريق آخر ممكنا وهو الطرف الثاني في اتفاق السلام مع مصر، هذا الاتفاق الذي لا يمنع من قيام حرب باردة غير معلنة بين الاستخبارات المصرية والاسرائيلية كما بينت اعترافات الجاسوس طارق عبد الرزاق، رغم أن هذا يقع في حقل اللامفكر فيه بالنسبة للقيادة المصرية، المنشغلة بعملية تحويل عجيبة اختص بها القوميون العرب وهو تحويل الجمهوريات إلى ممالك عائلية.

5 – منذ أشهر وفي نيجيريا، اجتاحت مليشيات مسلحة مسيحية، قرى مسلمة وقامت بقتل الأطفال والنساء والشيوخ، بطريقة لم يحدث مثلها أو في مستواها في أي جريمة نسبت للجهات المنتمية للإسلام، لكن الاعلام لم يردد هذه الحادثة كثيرا، ولم تتم الاشارة إلى دين الفاعلين إطلاقا، ولم يتهم مسلم المسيحية أو المسيحيين ويحملهم مسؤولية القتل، في كل يوم يتم القصف العشوائي عبر الطائرات بدون طيار لأحياء فيها الرجال والنساء والأطفال ولا تعرف على التحديد هويات المقتولين أو أعمارهم أو جرائرهم، والعالم يتقبل هذا النوع من القتل كحدث عادي ولا يهتم أحد بدين القتلة وجرائم المقتولين، وشرعية القتل، ولا يراه أحد كجريمة! وحدها هيومان رايت ووتش أشارت مرة إلى أنه قتل خارج القانون فقط، أحد لم يشر إلى كونه قتلا طائفيا وأن القتلة مسيحيين!

6 – في الحرب العالمية الثانية استخدم السلاح النووي ضد البشر لكن أحدا لم يعتبرها جريمة يتحمل مسؤوليتها دين، رغم أن الجميع يعرفون دين الذين مارسوا هذا النمط الفريد الفظيع من القتل، والذي حول مدينة كبيرة إلى فرن مفتوح!
وقبلها قام اليابانيون باستهداف الأسطول الأمريكي في بيرل هابر ولكن لم تجرم أبدا ديانتهم واعتقادهم.
في الحرب الأهلية اللبنانية تم ارتكاب مجزرة صبرا وشاتيلا وكانت ألوان القتلة والضحايا الطائفية واضحة، لكن لم يتم تجريم دين القتلة وانتمائهم، لم يفعل ذلك مسلم، ولم تشر إلى ذلك جهة إسلامية!
7 – لو أمكن إيجاد معيار كمي للقتل والقتلة، لتبين لنا أن أكثر القتلة وأكثر عميات القتل لا تنتمي للدين الذ يشار إليه كعقيدة إرهابية ويشار لأتباعه كقتلة، ربما نفاجأ في انتماء القتلة المتفوقون أو السوبر قتلة إن صح التعبير، وإن كان في قتلة سوبر.
إذا ما دام العنف والقتل عمل قام بها البشر من كل الأديان والانتماءات، ومع ذلك تم تحييد وصيانة انتماءاتهم الدينية، ولم يجرم قط دين لأن أحد أتباعه أو جماعة منهم قامت بارتكاب جريمة، فلماذا يدان الإسلام عندما يشتبه ( مجرد اشتباه) أن حدثا ما وراءه منتم للإسلام؟ هل الأمر بالبراءة والعفوية التي نعتقد ونظن؟