فلسفة التواصل في عصر التقنية – يورغن هابرماس في مواجهة كارل ماركس ومارتن هيدغر

فلسفة التواصل في عصر التقنية
يورغن هابرماس في مواجهة كارل ماركس ومارتن هيدغر

كاتب المقالة:حسن مصدق
ساد الاعتقاد لزمن غير يسير بأن التقنية خلاص الإنسانية من جبروت الطبيعة وآفاتها، واستحكمت هذه النظرة عندما استطاع الإنسان أن يخطو درجات لا بأس بها أهَّلّته للسيطرة على كثير من الظواهر الطبيعية. الأمر الذي سمح له بتوسيع حريته وتحسين قدراته، ما كان له بليغ الأثر في تمدن الإنسان، وساهم بقسط كبير في سمو أحاسيسه والانعكاس إيجابيا على الأخلاق الإنسانية.
لكن التقنية ما لبثت أن أصبحت طوفانا يجرف كل ما يلقاه، عندما نزعت من الإنسان آدميته وأغرقته في أوحال الاغتراب وجعلت منه دمية بين أنياب الآلات ومخالبها، ولعل هيدجر أحد أبرز فلاسفة القرن العشرين الذين تناولوا التقنية بشكل غير مألوف. ولعل الرجوع إلى مقارنة بين أبرز فيلسوف يهاجم التقنية )هيدجر( ومن يدافع عنها)ماركس( سيوضح الأمر كيف يحاول هابرماس رائد مدرسة فرانكفورت الثانية تجاوز مخلفات الإرث الفينومينولوجي الهيرمينوطيقي) التأويلي( والماركسي الكلاسيكي على حد سواء.
انتقد هيدجر(1976-1889) التعريف السائد للتقنية كأداة ووسيلة لتحقيق هدف، كما التعريف الأنثروبولوجي الذي يرى فيها نشاطا واعيا للإنسان على حد سواء. إذ في الغالب ما تدور تعبيرات التقنية الشائعة حول طابع جوهري يميزها بمظهرين متساوقين يطلق عليهما ”المظهر الأنثروبولوجي” و”الأداتي”، وطبقا لهذا التصور تصبح التقنية” فعلا” إنسانيا حضاريا و”وسيلة من أجل غاية” تنتظمان الواحدة والأخرى منها لإشباع ”حاجياته[1]” .
ولدعم الطابع الأنثروبولوجي للتقنية يعمد المفكرون إلى تقديم حجتين: الأولى منها تجزم بأنها مؤسسة على العلوم الطبيعية الحديثة وتعد إحدى تطبيقاتها الملموسة، فلقد أصبحت هذه العلوم بفضل اختراعاتها الخارقة إحدى أبرز الفتوحات الإنسانية التي جعلت التقنية تنتمي للحضارة ومشروع الأنسنة، ولا يمكن تقييمها إلا بربط مساهمتها في تطور الثقافة الإنسانية.
ومن هذا التحديد الأنثروبولوجي للتقنية ينحدر طابعها الأداتي:<>[2]. والهدف من ذلك إعطاء مبدأ موحد لتاريخ التقنية، يشمل كل مراحلها منذ أن صنع الإنسان أول فأس بدائية إلى غاية صناعته لمحطات الرادار والمحطات الفضائية. فحتما هناك بون شاسع في التعقيد التقني، لكنه لا يعد أن يكون في الدرجة وليس في الطبيعة، فكلها أدوات ووسائل تنتج بغاية أهداف محددة.
وبغاية دعم هذا الأفق تعتبر أداتية التقنية حيادية لأنها تميز دور الإنسان الفعلي بوضع شروط عادلة في علاقته بالتقنية إذا ما وجهها إلى غايات روحية، ولقد تزايدت هذه الضرورة بعدما أصبحت التقنية قاب قوسين أو أدنى من الانفلات من قبضة الإنسان ومراقبته[3].
إن تمثل التقنية داخل مدار الأنثروبولوجيا والأداتية يبدو جد متطابقا في أعيننا مع ما يجري، غير أنه مخادع على أكثر من صعيد. ويرجع ذلك بالأساس في محاضرة هيدجر لغة التقاليد ولغة التقنية[4] لى انسجامها مع النموذج التأويلي السائد الذي نفهم من خلاله الأشياء والكون: ذات-موضوع. يبين هيدجر عدم جدية هذا التصور بالرجوع إلى التصور الأنثروبولوجي- الأداتي وامتحان أطروحاته الشائعة والمسلم بها: التقنية كعلم تطبيقي وكأداة خاضعة أو ستخضع لمراقبة الإنسان.
وإذا ما كانت التقنية تمر عبر تطبيق فعلي لعلوم الطبيعة وتخضع للمراقبة النظرية، فذلك لم يعد يقبل به اليوم الفيزيائيون والمهندسون على حد سواء. فلقد انتفت واقعية هذه الأطروحة بعد ما كانت فيما مضى لها نصيب من الواقعية عندما كانت الأدوات منظمة بأهداف تجريبية. وفي المقابل أصبحت النظرية الخالصة اليوم معادلة رياضية بامتياز، وبالتالي باتت إجرائية وقابلة للتطبيق.
ولعل أبلغ حالة في هذا المضمار ما نشاهده في الفيزياء النووية:<>[5]. وتبعا لذلك إذا أصبحت التقنية عاملا محددا في تحيين الوقائع العلمية، وإذا ما كانت تتوفر في صلب بنيتها على شيىْ ينحدر من المعرفة، فليس من الممكن اعتبارها مجرد تطبيق للعلوم النظرية. لذلك نرى عالما فيزيائيا من طراز هايزنبرغ (Heisenberg) يتكلم عن <> بين العلم والتقنية وإن لم يتساءل حول جوهر هذا التزاوج المتبادل.
وبتوضيح أصلهما المشترك يتوجه هيدجر إلى جوهر التقنية، أي أن أسبقية النظرية أصبحت في خبر كان ولم تعد مسلم بها اليوم. فالعلوم الحديثة فرضت نفسها بعد ما أصبحت تجريبية وتقنية ورياضية، ولتحديد مرحلة هذا التطور أطلق عليه المفكرون بما يعرف اليوم ب<>[6]. أما بخصوص الأطروحة الثانية ينكر هيدجر وبشدة في حوار له مع صحفيين من جريدة Speigel الأيديولوجيا المهيمنة في الديموقراطيات الغربية التي تتغنى بقدرة الإنسان وتحكمه في التقنية، قائلا قولته الشهيرة:<>[7] ونحن بمعرض هذه النقطة، لابد أن نشير إلى أن هذه النقطة تميز رؤية هيدجر للحداثة ككل: فأيديولوجية التقانية العلميةTechno-science تتغذى من عدم قدرة الإنسان الحديث أن يتعرف بواسطة الفكر على<>( تساؤلات، الجزء146:III). ومن ثم إن غياب التأمل بالنسبة للإنسان المعاصر يجد سببه في الانبهار أمام التقدم الباهر والفاتن للتكنولوجيات الجديدة.
تشهد الوقائع في خضم التطورات السريعة أن هناك قوة تتجاوز إرادة ومراقبة الإنسان، لأنها لا تصدر عنه، بل تجعل أي مشروع سياسي أو أخلاقي يريد توجيهها أو السيطرة عليها محض تهويم وفرقعة في الهواء. والغريب في الأمر أن إرادة التحكم هاته أصبحت خداع ليس إلا، مثقلة بعمي وتواطىْ الفكر التقني نفسه الذي يحاصر الإنسان من كل جانب والذي يخفي وجها آخر للعبودية التي يوجد عليها. إذ <>[8].
ولذلك ما زال النقد الهيدجري يحتفظ براهنيته للتمثل الأنثروبولوجي- الأداتي، فلقد برهن جاك إلول J. ELLUL في كتابه النظام التقني(280:1977) بأن التقنية بعيدة كل البعد أن تتطور عبر مسالك الغايات التي نطمح لتحقيقها، بل تتقدم في الواقع عن طريق تطوير الإمكانيات الموجودة فيها أصلا للنمو والتي أصبحت تقانية كوكبية Technocosme ،أي كأفق أخير وليس كأفق للمعنى. بمعنى أن التقنية لا تخضع إلا إلى حتميات نموها الخاصة والعمياء التي تتجسد في تحقيق جميع التركيبات الممكنة التي تسمح بها جميع حالات التجريب بين عناصرها. يوضح هيدجر هذه الضرورة المتخفاة في قلب جوهر التقنية كنذير مستفزGe-stell يتجاوز الإنسان ومشاريعه ونشاطه، بحيث لم يعد قادرا أن يترجم فعليا مبدأ المعقولية الأخير الذي كان يضعه بين الغايات والوسائل.

http://100fm6.com/vb/showthread.php?t=82575

مقالات كبار الكتاب
02-13-2010, 15:16
أميرة الورد فلسفة التواصل في عصر التقنية

——————————————————————————–

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
المصدر : http://100fm6.com/vb/showthread.php?t=82575 – 100fm6.com

أضف تعليق